توطئة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله حمدا كثيرا ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيد المرسلين وخاتم النبيّين ، وعلى آله المنتجبين الغرّ الميامين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .
فإنّ علم اُصول الفقه علم كثير نفعه غزيرة فائدته ، لا يستغني عنه مجتهد يقرع أبواب الاستنباط لأنّه أداته اللازمة وعدّته الملازمة .
وقد عُرّف هذا العلم بأنّه « العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية » .
وصنّف علماؤنا ـ جزاهم الله كل خير ـ أسفاراً ضخمة وكتباً قيّمة في هذا الفنّ ، ونقّحوا وزادوا في أبوابها كلّ بحسب ما وصل إليه رقيّ هذا العلم في عصره ، وما أبدعه فكره . . .
حتى جاء عصر الوحيد
البهبهاني الّذي بلور الاُصول ، ووقف أمام المدّ الأخباري ، وتمكّن من وضع اللبنة الاُصولية الجديدة وأقام على أساسها مدرسته
العلمية الرصينة الكبرى ، وتخرّج على يديه المئات من العلماء ، وأنتجت تلك المدرسة عشرات الكتب القيّمة كمفاتيح الاُصول والفصول والضوابط وغيرها .
وكان حصيلة هذه المدرسة هو شيخنا الأنصاري الذي كتب فرائده ليكون بذلك رائداً لمدرسة اُصولية جديدة ، فأجهد نفسه لبثّ أفكاره وآرائه في تلاميذ مدرسته والتي بقيت مستمرّة إلى يومنا هذا .
ومن تلامذته المتأثّرين بأفكاره هو سيّدنا الإِمام المجدّد الشيرازي الكبير الذي أخفى جميع ما كتبه من جهود علمية احتراماً لشيخ العظيم .
وقد وفّقنا الله تعالى فحصلنا على هذا الكتاب ـ الذي بين يديك ـ من خزانته المحفوظة عند حفيده آية الله السيّد رضي الشيرازي والّذي تفضّل مشكوراً بإرساله إلينا ، وهو تقريرات درسه في الاُصول كتبها تلميذه العلّامة المولى علي الروزدري ، والّذي ، توفّي في حياة اُستاذه .
وهو تقرير جيّد السبك ، عميق المطالب ، جزل العبارة ، سهل التناول ، فيه الكثير من الآراء الجديدة والأفكار القيّمة الفريدة .
وكانت مقدمة الكتاب ـ بعد أن ظهر محققاً ـ بقلم سماحة الدكتور حجّة الإِسلام والمسلمين السيد محمد بحر العلوم ، ترجم فيها للمؤلف وللحركة العلمية ، فللّه درّه وعليه أجره .
هذا ونشكر أصحاب السماحة حجج الإِسلام الشيخ محمّد رضا خراشادي والشيخ محمّد جواد أنصاريان للجهد الذي بذلاه في تحقيق هذا الكتاب وتصحيحه وتخريج أحاديثه ، زاد الله في توفيقهم وحشرهم مع الأئمة الأبرار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
مؤسسة آل البيت لإحياء التراث
المقدّمة
الإِمام المجدد الشيرازي
|
بقلم : د . السيد محمد بحر العلوم |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين رسول الله محمد وآله الغر الميامين وعلى اصحابه المنتجبين .
وبعد :
فقد طلب إليّ أن اُقدم هذا الكتاب القيّم الّذي مع القرّاء الكرام اليوم ، وهو تقريرات الإِمام المجدد السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ـ رضوان الله عليه ـ نظراً لما لهذه الشخصية العظيمة من مركز مرموق لدى المسلمين ، فأرجو أن اُوفق لوضع دراسة عنه تتناسب ومكانته العلمية ومنزلته الاجتماعية ، والله ولي التوفيق .
* * *
الفصل الأول جامعة النجف العلمية تتحدىٰ الزمن
اقترن اسم النجف الأشرف ـ كمدينة جامعية يبحث فيها علوم الشريعة الإِسلامية ـ باسم شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن حسن الطوسي ، الذي انتقل اليها بعد الحوادث الطائفية الدامية التي نشبت في بغداد عام ٤٤٩ هـ ، والتي أدت الى قتل ودمار واضطهاد المسلمين الشيعة الذين يسكنون بغداد . واعتبر هو المؤسس الأول لهذه الجامعة العلمية الشامخة عبر القرون والأيام . كما بقيت مستمرة بين شدة وضعف تقطع أشواطاً بعيدة في مسيرتها الجامعية ، وهي تسجل لمؤسسها دور القيادة والزعامة بكل تقدير وإكبار .
وجامعة النجف مرّت في ثلاثة أدوار :
الأول ـ بدأ بانتقال الشيخ الطوسي عام ٤٤٩ هـ إلى النجف ، وأسس فيها الحوزة العلمية ، وبقيت من بعده تدار من قبل تلامذته الأعلام ، وترى بعض المصادر أنّ الفترة التي تلت وفاة الشيخ الطوسي من أنشط العهود بالنسبة للحركة العلمية في الجامعة النجفية ، وإنّ الوضع الدراسي قد بلغ أوجه وشدة عنفوانه في عصر ولده الشيخ الحسن بن محمد بن الحسن المعروف بأبي علي الطوسي المتوفى سنة ٥١٥ هـ ، ويمكن أن تكون امتداداً لعهد الشيخ والده (١) .
وإذا ما جاء عهد الشيخ محمد بن أحمد بن ادريس في القرن الخامس حتى نقل الحوزة العلمية من النجف الى الحلة وقد تكاملت عناصر هذا الانتقال في أوائل القرن السابع الهجري ، ونشطت الحركة العلمية فيها الى حد كبير .
وزعم هذا الانتقال العلمي من النجف ، فانّها بقيت محتفظة بطابعها العلمي
___________________________
(١) راجع لزيادة الاطلاع : محمد بحر العلوم ـ الدراسة وتاريخها في النجف موسوعة العتبات المقدسة : قسم النجف ـ ٢ ـ ٣٨ ـ ٤٦ .
وإن كان على نحو ضيق ، ولقد دفع هذا الانتقال بعض الكتاب الى البحث عن أسباب ذلك ، وانتهوا الى نقاط عديدة أهمها ، بروز زعيم حلّي للحركة العلمية وهو الشيخ ابن ادريس ، والّذي وصف بأنّه مثل ثورة علمية حوّل الأنظار اليه ، وقصده المشتغلون في علوم الشريعة للاستفادة منه في موضع سكناه ، والذي أصبح مركزاً علميّاً من بعده ، تناوب على زعامة المركز العلمي في الحلة من بعده الأعلام الحلّيون أمثال :
المحقق الحلّي المتوفى عام ٦٧٦ هـ والعلّامة الحلّي المتوفى عام ٧٢٧ هـ ـ وغيرهما من أعلام البيوتات العلمية التي اشتهرت هناك بالفضل والاجتهاد والزعامة الدينية ، كآل إدريس ، وآل شيخ ورام ، وآل فهد ، وآل طاووس ، وآل نما (١) ، وغيرهم .
الثاني ـ ويبدأ في النصف الأخير من القرن العاشر الهجري وقد استعادت الجامعة النجفية مركزها العلمي بعد أن احتضنتها الحلة مدة ثلاثة قرون ، وذلك في عهد المحقق الأردبيلي أحمد بن محمد ، الّذي برز في النجف الأشرف علماً شامخاً ، إلتف حوله أهل العلم من كل الأطراف ، وصارت الجامعة النجفية من أعظم مراكز العلم في عهده (٢) .
وذكر من أسباب عودة الحياة العلمية الى الجامعة النجفية ـ بعد انتقالها الى الحلة ـ هي :
أن السلطة الجلائرية والايلخانية ـ واللتين حكمتا بغداد زماناً ليس بالقصير ـ كانتا على قصد في إحياء الحركة العلمية في الجامعة النجفية ، وجعلها قوة دفاعية للشيعة ، ومركزاً مهماً يقابل بغداد .
ففي بغداد حركة علمية سُنّية تدار من قبل السلطة الحاكمة حينذاك في العهد العباسي ذات عروق وأصالة ، والسلطتان المتقدمتا الذكر هما القوة المقابلة
___________________________
(١) لزيادة الاطلاع يراجع : محمد بحر العلوم ـ المصدر المتقدم ١ / ٤٧ ـ ٥٦ . والشيخ محمد مهدي الآصفي ـ مقدمه اللمعة الدمشقية : ١ ـ ٦٨ ـ ٧٦ بحث ( مدرسة الحلة ) الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤٠٣ هـ .
(٢) محمد بحر العلوم ـ المصدر السابق : ٥٧ .
للخلافة ، كما كان الأمر في عهد البويهيين .
ولهذا كان لهاتين السلطتين أثر في دعم الجامعة النجفية ، واهتمامهم بها كمصدر للإشعاع العلمي المعبّر عن علم أهل البيت عليهم السلام .
وذهبت بعض المصادر إلى أنّ المدة التي عاشتها الجامعة النجفية في دورها الثاني هو من عام ٧٥٠ ـ ١١٥٠ هـ ، غير أنّ الدلائل تشير الى أنّ العهد بدأ في عهد المقدس الأردبيلي الذي هو من أعلام القرن العاشر الهجري ، وحتى نهاية القرن الثاني عشر ، حيث إنتقلت الى كربلاء نتيجة عوامل عديدة أهمها بروز مدرسة الوحيد البهبهاني ، المولى محمد باقر بن محمد أكمل المتوفى عام ١٢٠٨ هـ ، وتصفها المصادر بأنّها افتتحت عصراً جديداً في تاريخ العلم ، والتي اكتسبت الفكر العلمي في العصر الثاني الاستعداد للانتقال الى عصر ثالث (١) .
وعاشت هذه المدرسة قرابة السبعين عاماً ، وهي تكاد تفتح آفاقاً جديدة في الكيان العلمي الكربلائي ، كان له صدى حافل بالاكبار والتقدير .
الثالث ـ وهو ـ كما تصفه المصادر ـ عصر الكمال العلمي وهو العصر الذي افتتحته في تاريخ العلم المدرسة الجديدة التي ظهرت في أواخر القرن الثاني عشر على يد الأستاذ الوحيد البهبهاني ، وبدأت تبني للعلم عصره الثالث بما قدمته من جهود متضافرة في الميدانين : الاُصولي والفقهي .
وقد تمثلت تلك الجهود في أفكار وبحوث رائد المدرسة الاُستاذ الوحيد وأقطاب مدرسته الذين واصلوا عمل الرائد حوالي نصف قرن حتىٰ استكمل العصر الثالث خصائصه العامة ووصل الى القمة (٢) .
وعادت النجف الى ميدانها العلمي كمركز أول ـ من بعد هذه الفترة ـ للحركة العلمية التي تمثل مدرسة الوحيد البهبهاني على يد تلميذه السيد محمد مهدي
___________________________
(١) المرحوم الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ المعالم الجديدة : ٨٤ ـ ٨٥ الطبعة الأولى .
(٢) الشهيد الصدر ـ المصدر السابق : ٨٨ .
بحر العلوم الطباطبائي بعد أن عاشت زماناً وهي تتفاعل بتأثيرات المدرسة الفكرية في كربلاء .
ولنا أن نسمي هذا العصر بعصر النهضة العلمية لكثرة من نبغ فيه من العلماء والفضلاء ، ولكثرة تهافت الناس على العلم فيه ، وازدياد الطلاب (١) .
وكانت مظاهر هذا الدور بارزة في مجالي الفقه والاُصول الى جانب بقية العلوم التي دللت النجف على اختصاصها بها ، بالإِضافة الى الطابع الأدبي .
ففي حقل الفقه : نرىٰ أنّه تطور في هذا الدور تطوراً محسوساً لما دخله من عنصري البحث والنقد ، ولما تحلىٰ به من قابلية النقض والابرام ، والتعمق والتحليل ، وخاصة في ملاحظات الروايات من حيث السند والدلالة والفحص عن مدى وثوقها عند الماضين من العلماء الأعلام ، وعرض المسائل الفقهية حسب الأدلة الاجتهادية والفقهية .
فالتجربة العلمية التي عاشتها النجف في دورها الثالث في حقل الفقه كان لها الأثر الكبير في إبراز عطاء ناضج يدل على سعة في الاُفق ، ووفرة في الاطلاع ، ولذا وصف بدور التكامل والنضوج .
أمّا في حقل الاُصول : فقد يكون من الواقع أن يطلق على هذا الدور ، دور الكمال العلمي ، فانّ المرحلة الجديدة التي دخلها علم الاُصول كان نتيجة أفكار وبحوث رائد المدرسة الاستاذ الوحيد البهبهاني وأقطاب مدرسته الّذين واصلوا عمل الرائد حوالي نصف قرن حتى استكمل العصر الثالث خصائصه العامة ووصل الى القمة .
وما أن بلغ العهد بالمحقق الشيخ مرتضىٰ الأنصاري المتوفى ١٢٨١ هـ ، حتى اُعتبر رائداً لأرقى مرحلة من مراحل الدور الثالث التي يتمثل فيها الفكر العلمي
___________________________
(١) جامعة النجف ـ مجلة المجمع العلمي العراقي : مجلد ١١ / ص ٢٩٦ .
منذ أكثر من مائة سنة حتىٰ اليوم (١) .
وتعهد الحركة العلمية بالعطاء والتجديد من بعده عدد من المع أقطاب المدرسة العلمية النجفية أمثال : المجدد السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ، وتلاميذه مثل : الملا الشيخ محمد كاظم الخراساني ، والميرزا حسين النائيني ، وتلاميذ الخراساني مثل : الشيخ محمد حسين الأصبهاني ، والشيخ آقا ضياء العراقي ، وغيرهم الى عصرنا المعاش من اقطاب هذه المدرسة وقدّر لهم أن يرتفعوا الى القمة العلمية ، ويوفروا للأجيال تراثاً ضخماً يستنير به العاملون في هذا الحقل ، ويستفيد منه رواد المدرسة الفقهية والاُصولية على مرّ الزمان .
ولقد مرّت على الجامعة العلمية ظروف قصيرة إنتقلت فيها المرجعية الدينية الى كربلاء أو الكاظمية أو سامراء أو قم أو غيرها ، بسبب عوامل سياسية أو اجتماعية أو دينية وغير ذلك ، ولكن ما كان وجود هذه الجامعة ينعدم بسبب عامل الانتقال ، وإذا تقلص الى حد ما فان ظلال الشموخ العلمي يبقىٰ الطابع المميز لها ـ كما هو الحال في العصر الحاضر ـ .
* * *
___________________________
(١) راجع : الشهيد الصدر ـ المصدر السابق : ٨٨ ـ ٨٩ ولزيادة الاطلاع يراجع : محمد بحر العلوم ـ المصدر المتقدم : ٧٨ ـ ٨١ .
الفصل الثاني الإمام المجدد الشيرازي
من بعد وفاة علم النهضة الفكرية المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري وزعيم الحوزة النجفية الفقهية والاُصولية تعالت الاستفسارات عمّنْ يشغل مركز الزعامة العلمية والدينية ويكون مرجعاً للمسلمين عام ١٢٨١ هـ ، وبقيت الاُمة المسلمة تبحث عمن يسد هذه الثلمة ، ويكون مرجعاً لها في تبليغ الأحكام الشرعية ، وتبقىٰ الأنظار مشرعة الى النجف الأشرف والى الصفوة المؤمنة من خاصة المرجع الراحل ورائد المدرسة الفكرية في الجامعة النجفية ، لتقول كلمتها بشأن المرجع الجديد ، وهل في خاصة الشيخ الأنصاري مَنْ يسد الشاغر ويغطي منطقة الفراغ ؟ كما هناك مِنْ غير خاصة الشيخ الأنصاري مَنْ يملك المؤهلات التي توصله لهذا المنصب الّذي له في نفوس الجماهير القداسة والاحترام ، بصفته القيادية والروحية .
والمرجعية عند المسلمين الشيعة تختلف عن غيرهم ، فهي لم تكن بأمر من حاكم ، ولا بتعيين من سلطان ، إنّما هي الامتداد الطبيعي لمسلك الأئمة الهداة الميامين من العترة الطاهرة ، الذين هم عدل الكتاب جملة وتفصيلاً ، والذين نص عليهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) مبتدءاً بعلي وخاتماً بالمهدي ـ عليهم السلام ـ وإذا ما انتهىٰ الدور الى المهدي ـ عليه السلام ـ أسند الدور الى الفقهاء الرساليين الذين يتصفون بالمؤهلات التي توصلهم الى قيادة المرجعية ، والتي هي بمعناها الواسع قيادة الامة في اُمور دينها ودنياها ، لا تخضع لإِرادة السلطان ، ولا بحاجة الى تعيين الحاكم ، إنّما هي منصب ديني تشهره المؤهلات العلمية المرتبطة بالعقيدة الإِسلامية فقهاً وتشريعاً ، وتسدده العصمة الشخصية من الانزلاق في مهاوي الذات ودوافع الدنيا ، وخوف الله سبحانه من التدني فيما لا يرضيه ولا يحمده (١) .
___________________________
(١)
لزيادة الاطلاع في هذا الصدد يراجع : كتاب المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الامامية
ـ للمرحوم
`
وهذا المنصب الديني العلمي لا يمكن أن يبقى شاغراً في قيادة الاُمة ، لأنها بحاجة الى من يرشدها الى طريق الصواب ، ويأخذ بيدها الى ما يبرر عملها وحاجتها الآنية التي يترتب عليها الثواب والعقاب .
وحين لبّىٰ الزعيم الروحي ، ورائد الجامعة العلمية النجفية الشيخ الأنصاري نداء ربه ، كان من الطبيعي أن يلمع إسم من يملأ هذا المنصب ، فالاُمة لا تبقىٰ بدون مرجع ، وكان اسم السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي هو الأول من بين الأسماء اللامعة المرشحة لهذا المنصب ، وفعلاً تم الاتفاق عليه ، وسدّ الشاغر ، وأصبح المرجع الروحي للشيعة الإِمامية . ولنتعرف على هذا الإِمام ، الذي عرف فيما بعد بالمجدد الشيرازي .
١ ـ مَنْ هو السيد الشيرازي ، ونشأته ؟
السيد أبو محمّد معز الدين الميرزا محمد حسن بن ميرزا محمود بن محمّد اسماعيل بن فتح الله بن عابد بن لطف الله بن محمّد مؤمن الحسيني ، المنتهي نسبه الى الإِمام الحسين عليه السلام .
وقد وصفته المصادر بـ : الشيرازي المولد ، الغروي المنشأ ، العسكري المهاجر ، النجفي المدفن (١) .
___________________________
a
الشيخ حسين معتوق المطبوع عام ١٣٩٠ هـ ـ ببيروت .
(١) الشيخ آغا بزرگ الطهراني ـ ميرزا شيرازي : ٢٢ فارسي طبع وزارة الارشاد الاسلامي ـ طهران ١٣٦٣ قمري الطبعة الثانية . ١ وهذا الكتاب أصله ( هداية الرازي الى الامام المجدد الشيرازي ) للمؤلف نفسه باللغة العربية ولم تتوفر لديّ نسخة منه .
وقد ورد لهذا الكتاب ذكر في كتاب ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للمؤلف نفسه : ٥ / ٢٠٧ أشار فيه أنه فرغ من تأليفه في سامراء حدود عام ١٣٣٠ هـ .
وفي هامش ١ من ص ٢٠٧ ج ٢٥ أن كتاب ( هداية الرازي ) نشر عام ١٣٨٨ هـ ـ بعنوان ( بيت الشيرازيين ) مع زيادة عناوين وتصاوير لرجال الأسرة في ١٨٧ صفحة .
كما
عرف به في كتاب ( شيخ الباحثين آغا بزرگ الطهراني ) ص ٤٢ ـ ٤٣ لكاتبه الاستاذ عبد
الرحيم محمد
`
وقد اشتهر بـ الميرزا الشيرازي (١) ، كما عرف بـ المجدد الشيرازي (٢) .
ولد ـ رحمه الله ـ في شيراز عام ١٢٣٠ هـ ، وتولى تربيته خاله المرحوم السيد ميرزا حسين الموسوي ، لأنه فقد والده المرحوم السيد محمود وهو طفل صغير (٣) .
وكان بيته معروفاً بشيراز ، وله في ديوان دولة شيراز شأن (٤) ، ولكن خاله أراد ان ينشئه خطيباً ، فوجّهه الى ذلك منذ نعومة اظفاره ، كما وجهه لتعليم القراءة والكتابة وحفظ النصوص ، وكان سريع التعلم إذ تشير المصادر المترجمة له بأنه قطع شوطاً مميزاً في هذا المضمار وهو لم يكمل السابعة من عمره ، ولقد شرع بدراسة العلوم العربية ومن بعدها في علمي الفقه والاُصول وهو في السادسة من عمره (٥) .
والظاهر أنّ السيد ـ قدس سره ـ كان يتمتع بقابلية جيدة من الذكاء والفطنة ، ممّا ساعده على تقبل هذه العلوم وتلقيها بصورة أهلته لدراسة كتاب شرح « اللمعة الدمشقية » (٦) وهو في الخامسة عشرة من سنيه (٧) .
___________________________
a
علي ، وكذلك في كتاب شيخ آغا بزرگ للاُستاذ محمد رضا حكيمي المطبوع بطهران أخيراً .
(١) السيد محسن الأمين ـ أعيان الشيعة : ٥ / ٣٠٤ الطبعة الثانية .
(٢) الشيخ آغا بزرگ الطهراني ـ نقباء البشر في القرن الرابع عشر ( طبقات أعلام الشيعة ) : ١ / ٤٣٦ المطبوع في مشهد ـ مطبعة سعيد سنة ١٤٠٤ هـ ـ الطبعة الثانية علق عليها الأخ المحقق الحجة الاُستاذ السيد عبد العزيز الطباطبائي .
(٣) آغا بزرگ الطهراني ـ ميرزا شيرازي : ٣٠ .
(٤) السيد الأمين ـ أعيان الشيعة : ٥ / ٣٠٥ .
(٥) تشير بعض المصادر أن خال الميرزا كان مهتما أن يوجهه للخطابة والمنبر ولذا كلف أحد أشهر خطباء شيراز بأن يتولى توجيهه وتعليمه ، ولكن الميرزا الشيرازي لاحظ في نفسه الاستعداد لتحصيل العلوم الدينية ، والانخراط في سلك الدروس الحوزوية ، فتوجه بذلك الى من يدرسه علوم الفقه والاصول . راجع : الطهراني ـ نقباء البشر : ١ / ٤٣٧ وميرزا الشيرازي ٣١ .
(٦) مؤلف الكتاب هو زين الدين بن نور الدين ، علي بن أحمد بن محمد العاملي الجبعي ، المعروف بـ ( الشهيد الثاني ) المقتول عام ٩٦٦ هـ .
(٧) الطهراني ـ نقباء البشر : ١ ـ ٤٣٧ .
حتىٰ إذا أكمل دراسة الكتب الأولية المقررة للدراسة الحوزوية وهي ما تسمى بـ « السطوح » انتقل الى إصبهان عام ١٢٤٨ هـ ـ لأنها كانت مركزاً مشهوراً لدراسة علوم الشريعة ـ حينذاك ـ لما تضم من أعلام الفقه ومدرسي الأصول ، وقد وصفتها المصادر ـ حينذاك ـ بـ « دار العلم » (١) ، وكان عمر السيد لم يصل الثامنة عشرة (٢) .
فقرأ ـ هناك ـ على الشيخ محمد تقي ، مؤلف حاشية « المعالم » ، ثم حضر على مير السيد حسن البيدآبادي الشهير بالمدرس حتىٰ حصلت له الإِجازة منه قبل بلوغه العشرين من العمر (٣) . كما حضر درس الشيخ محمد ابراهيم الكلباسي فترة من الزمن .
٢ ـ الهجرة الى الجامعة النجفية :
أغلب طلاب العلوم الدينية الشيعة في الأقطار الاسلامية يضعون نصب أعينهم ، وهم يَشتغلون في الخط العلمي الحوزوي أن يقضوا جزءاً من شوطهم العلمي في الجامعة النجفية ، يستفيدوا من أساتذتها ، وينتهلوا من معرفة أعلامها ، ويتبركوا بزيارة مرقد الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام .
هذه الجامعة الدينية ، والتي اعتبرت المركز العلمي الأول للدراسات الاسلامية الشيعية من مدة تزيد على عشرة قرون ، من اليوم الذي هبط فيها شيخ الطائفة ، أبو جعفر الطوسي ـ رحمه الله ـ . . . وليس من الصدفة ، أو من باب الاتفاق أن يختارها شيخ الطائفة مركزاً علمياً ، وإنّما اختارها ليستمد علماؤها من روحانية الإِمام الصافية ـ حياة روحية تلتقي فيها خطوط حياته ، ويكمن فيها سر عظمته ، وليعود العلم الى منبعه ومصدره ، فتلتقي فيها النهاية بالبداية ، تلاحقها في صفائها ،
___________________________
(١) السيد الأمين ـ أعيان الشيعة : ٥ ـ ٣٠٥ والطهراني ـ نقباء البشر : ١ / ٤٣٧ .
(٢) الطهراني ـ المصدر السابق : ١ / ٤٣٧ .
(٣) السيد الأمين ـ أعيان الشيعة : ٥ / ٣٠٥ .
وتتابعها في مسلكها (١) .
ومترجمنا ـ أعلى الله مقامه ـ وهو قد أكمل الدراسات الأولية للعلوم الاسلامية ، خاصة المتعلقة بالفقه والاُصول ، أصبح مؤهلاً لتحصيل الدراسات العليا ، والتي تعتمد التلقي المباشر من الاُستاذ دون واسطة كتاب وهي ما تسمىٰ في عرف الحوزويين بـ : « بحث الخارج » (٢) ، قرر الانتقال الى الجامعة النجفية ، والتي كانت تزخر بأعلام الفقه والاُصول ـ حينذاك ـ في مقدمتهم : المرحوم الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، مؤلف الموسوعة الفقهية الامامية « جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام » . والمحقق المجدد الشيخ مرتضى الأنصاري الذي يعتبر رائد المدرسة الاُصولية الحديثة .
وفي عام ١٢٥٩ هـ حقق أمله العلمي حيث إنتقل من أصبهان الى النجف الأشرف متبركاً بالتشرف بزيارة مرقد الإِمام علي عليه السلام ، ثم التحق بدرس المرحوم الشيخ صاحب الجواهر ، فقيه الطائفة وشيخ حوزة النجف العلمية ، كما استفاد من غيره في بداية وصوله الى النجف ، كالمرحوم الشيخ مشكور الحولاوي ، والشيخ
___________________________
(١) الشيخ حسين معتوق ـ المرجعية الدينية العليا : ٦ ـ ٧ .
(٢) في الجامعة النجفية الدينية تمر على الطالب ثلاث مراحل ليصل الى غايته المنشودة ، وهي مرتبة ( الاجتهاد ) ، وهي :
اولاً ـ الدراسات التمهدية ، أو مرحلة ( المقدمات ) ، ويقصد بها الدروس الأولية ، كالنحو ، والصرف ، والبلاغة ، والمنطق .
ثانياً ـ الدراسات الوسطى ، أو مرحلة ( السطوح ) ، ويقصد بها الدراسة التي تشمل متن الكتب الاستدلالية ، والفقهية منها والاُصولية .
ثالثاً ـ الدراسات العليا ، أو مرحلة ( بحث الخارج ) ، والمقصود بها المحاورة والمناقشة بين الطرفين .
وقد أطلق على هذه المرحلة الأخيرة من الدراسة الدينية اسم ( البحث الخارج ) ، وذلك لتوفر الحرية في اعطاء الرأي ، ومناقشته والمؤاخذة على ايراد الاشكال والاستدلال ، وتكون حجتهم موضع عناية الاُستاذ والطلاب .
والمقصود بمصطلح ( الخارج ) الدروس التي يتلقاها الطلاب في المرحلة الثالثة ، وأنها خارج نطاق الكتب يحضر فيها الاُستاذ ويستمع الطالب دون كتاب .
لزيادة
الاطلاع يراجع : موسوعة العتبات المقدسة ـ ( بحث ) الدراسة وتاريخها في النجف ـ
محمد بحر العلوم :
`
حسن الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء مؤلف كتاب « أنوار الفقاهة » ، كما تتلمذ لفترة قصيرة على السيد إبراهيم بن محمد القزويني الحائري المتوفى عام ١٢٦٣ هـ المقيم في كربلاء ، صاحب كتاب « ضوابط الاُصول » .
غير أنه استقر على ملازمة درس شيخ الطائفة المرتضى الأنصاري ، وكانت عمدة استفادته منه ، فقد لازم أبحاثه فقهاً واُصولاً حتى وفاة الشيخ في عام ١٢٨١ هـ وفي خلال ملازمته لدرس الشيخ الأنصاري توطدت العلاقة بين الاستاذ وتلميذه الى درجة أن أخذ الشيخ يعظمه بمحضر طلابه ، وينوه بفضله ، ويعلي سمو مرتبته في العلم ، كما أشار الى اجتهاده أكثر من مرة ، في حين لم يشر الى اجتهاد أحد من قبل ـ كما يقال ـ (١) .
ولعل أهم إشارة في هذا الصدد من الشيخ الأنصاري ما ذكر أنه قال مراراً : بأني اباحث لثلاثة ( أشخاص ) الميرزا حسن الشيرازي ـ المترجم ـ والميرزا حبيب الله الرشتي ، والآغا حسن الطهراني (٢) .
كما أن الشيخ الأنصاري كان إذا ناقشه الميرزا الشيرازي أثناء الدرس يصغي الى كلامه ، ويأمر الحاضرين بالسكوت ، قائلاً إن جناب الشيرازي يتكلم (٣) . وكان يحاول أن يعيد نقاشه أو إشكاله على عامة الطلاب ، نظراً لأهميتها ، وتعميم الفائدة منها ثم كان يرد عليها أو يناقشها بأصالة وعمق .
من هذه المفردات التي تبدو صغيرة ، لكنّها في واقعها كبيرة ، كانت تؤشر الى شهادة ضمنية من الشيخ الأنصاري الى المكانة العلمية التي وصل اليها السيد الشيرازي .
___________________________
a
١ / ٩٢ ـ ١٠٠ .
(١) السيد الأمين ـ المصدر السابق : ٥ / ٣٠٥ والطهراني ـ نقباء البشر : ١ / ٤٣٨ .
(٢) الطهراني ـ نقباء البشر : ١ / ٤٣٨ .
(٣) السيد الأمين ـ أعيان الشيعة : ٥ / ٣٠٥ .
الفصل الثالث الرئاسة والمرجعية
وحين انتقل الشيخ الأنصاري الى جوار ربه عام ١٢٨١ هـ ، ثلم في الاسلام ثلمة كبيرة ، وخسرت المدرسة النجفية العلمية رائدها الكبير ومجدد أفكارها العلمية ، وكان على أعلام هذه المدرسة أن تحدد المرجع الديني الذي يجب أن يسد الشاغر بوفاة شيخ الطائفة الأنصاري ، والعيون مشدودة ـ بطبيعتها ـ الى النجف الأشرف ، موئل العلماء ، ومركز الثقل الديني في العالم الاسلامي الشيعي .
وتشير المصادر بأن تلامذة الشيخ الأنصاري اجتمعوا في دار الشيخ ميرزا حبيب الله الرشتي (١) ـ من مبرزي تلاميذ الشيخ ـ قدس سره ـ وتدارسوا أمر المرجعية العامة ، وترشيح من هو أهل لها ، واتفقت كلمتهم على تقديم الميرزا الشيرازي لرئاسة المرجعية لما له من المؤهلات والخصائص التي تجعله أن يكون المرشح الأكثر قبولاً لدىٰ الاُمة ، وكانت العلامة التي أوضحت هذا المعنىٰ أن قُدّم للصلاة والدرس بعد وفاة شيخهم الكبير المرتضى الأنصاري ، وحين توفي الحجة الكبير السيد حسين الكوهكمري ، المعروف بالسيد حسين الترك ، الذي رجع اليه أهالي « أذربيجان » في التقليد بعد الشيخ الأنصاري ، ثنيت الوسادة للسيد الشيرازي وأصبح المرجع الوحيد للإِمامية في سائر البلاد الاسلامية (٢) ، والمشار اليه في اصدار الافتاء وشؤون المسلمين .
* * *
___________________________
(١) تذكر المصادر أسماء بعض الأعلام الذين حضروا هذا الاجتماع ، وكان منهم : الميرزا حسن الآشتياني ، والميرزا حبيب الله الرشتي ، والشيخ عبد الله نعمة العاملي الجبعي ، والشيخ جعفر التستري ، والآقا حسن النجم ابادي الطهراني والميرزا عبد الرحيم النهاوندي ، وغيرهم من وجوه تلاميذ الشيخ الأنصاري رضوان الله عليهم . راجع : السيد حسن الصدر ـ تكملة أمل الآمل : ٦ هـ ٢ والسيد الأمين ـ أعيان الشيعة : ٥ / ٣٠٥ ، والطهراني ـ نقباء البشر : ١ / ٤٣٨ .
(٢) الطهراني ـ نقباء البشر : ١ ـ ٤٣٨ .
أ ـ مميزات مرجعية الشيرازي :
وعن أهم مميزات شخصية السيد المجدد (١) الشيرازي كمرجع للاُمة وزعيم للحوزة العلمية ، يمكن حصرها بالآتي :
١ ـ إنّ إجماع تلاميذ المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري قام على اختياره لمنصب المرجعية دون أن ينازعه أحد في هذا المركز .
٢ ـ انحصار المرجعية العامة للامامية بعد وفاة الشيخ الأنصاري ، ولم يشذ عن ذلك الّا أهالي أذربيجان ، لأنّهم قلّدوا علماً من أعلامهم ، هو السيد حسين الترك ـ كما أشرنا ـ ، وبعد وفاته قلد الأذربايجانيون السيد الشيرازي ، ولم تبرز مرجعية أخرى في عهده الى جانب مرجعيته (٢) .
___________________________
(١) جاء في تعليق على كلمة المجدد الشيرازي في مقدمة كتاب تأسيس الشيعة للمرحوم السيد حسن الصدر ٥ هـ ٢ كتبها الامام السيد عبد الحسين شرف الدين : ٥ طبع بغداد في ضمن ترجمة سيدنا الشيرازي ، ما يلي :
« المعروف بين المسلمين أن الله عز وجل يقيض لهذا الدين على رأس كل مائة سنة من يجدده ويحفظه ، ولعل المدرك في هذا ما أخرجه أبو داود في صحيحة بسند ( صحيح عند القوم ) رفعه الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ان الله يبعث لهذه الاُمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » .
وقد أورد ابن الأثير هذا الحديث في كتاب النبوة من كتابه ( جامع الاُصول في أحاديث الرسول ) ثم أورد في شرح غريب هذا الباب كلاماً ذكر فيه المجددين ، فعد ممن جدد في مذهب الامامية على رأس المائة الاولى محمد بن علي الباقر ، وعلى رأس المائة الثانية علي بن موسى الرضا ، وعلى رأس المائة الثالثة أبا جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، وعلى رأس المائة الرابعة الشريف المرتضى .
قلت : لعل أمر المجددين ثابت مطرد جدير بالتصديق والاذعان . وإذنٍ فمجدد الدين في رأس القرن الرابع عشر ، انما هو هذا الزعيم العظيم الذي ثنيت له وسادة الزعامة والامامة ، وكان أهلاً لها ، أعلا الله مقامه .
(٢) ذكرت المصادر في هذا الصدد قولها :
ومن غريب الاتفاق الذي لم يحكه التاريخ منذ أن خلق الله الدنيا أن انحصرت رياسة المذهب الجعفري في تمام الدنيا بسيدنا الاُستاذ في أواخر الأمر ، ومات رؤساء الدين والمراجع العامة في كل البلاد ، ولم يبق لأهل هذا المذهب رئيس سواه . راجع : المرحوم الطهراني ـ نقباء البشر : ٥ / ٤٤١ .