تراثنا ـ العدد [ 6 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 6 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مجلّة تراثنا العدد 6 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

١
 &

تراثنا

مجلّة تراثنا العدد 6 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

العدد الاول

السنة الثانية

الفهرس

* نظرات سریعة في فنّ التحقیق ( ٥ )

............  أسد مولوي ٧

* من المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الکریم ( ١ )

............  عبد الحسین محمد علي البقّال ١٤

* موقف الشیعة من هجمات الخصوم

..............  السید عبد العزیز الطباطبائي ٣٢

* نفس الأمر

..........  الشیخ حسن حسن زاده الآملي ٦٢

* کتب الصید والذبائح عند الشیعة

...........  الدکتور پرویز اذکائي ٩٧

* التحقیق في نفي التحریف ( ١ )

............  السید علي المیلاني ١٢٧

* معجم الرموز والإشارات ( ١ )

..............  الشیخ محمد رضا المامقاني ١٥٩

٢
 &

مجلّة تراثنا العدد 6 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

محرّم ـ صفر ـ ربيع الأول

١٤٠٧ هـ . ق

* الإجازات عند علماء الإمامیة

إجازتا الشیخ البهائي للتنکابني

..........  الشیخ محمد السمامي الحائري ١٧٢

* ما ینبغي نشره من التراث

...........  ١٨٣

* من ذخائر التراث

رسالة جواز العدول عن العمرة إلی الإفراد

..............  السید محمد علي الطباطبائي المراغي ١٨٦

تخمیس لامیّة العجم

.........  أسد مولوي ٢٠١

*من أنباء التراث

...........  ٢١٧

*خلاصة لدراسات ومواضیع العددین ٥ و ٦ ( بالإنکلیزیة )

...........  ترجمة : علي شریف ٢٣٨

٣
 &

مجلّة تراثنا العدد 6 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

٤
 &

مجلّة تراثنا العدد 6 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

٥
 &

مجلّة تراثنا العدد 6 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

٦
 &

نظرات سريعة في فنّ ( ٥ )

أسد المولوي

إختيار الكتاب وجمع نسخه

بعد أن استكمل المحقّق عدّته ، وخبر نفسه ـ وكلّ على نفسه بصيرة ـ فوجدها قادرة على اقتحام هذا الميدان . . . يجب عليه أن يؤدّي زكاة علمه ، ويخدم امّته ، ويوفي بعض الدَّيْن إلى المكتبة الإسلامية المجيدة ، التي أمتعته ساعات طوال من عمره ، وفتحت له أبواب رياضها وصدور خزائنها ، وأطلعته على جواهرها وذخائرها .

إذا أراد هذا العامل في سبيل إحياء مجد اُمّته ، أن يسلك في عداد صانعي هذه الثقافة العظيمة ومُيَسِّريها لطلّابها . . . وهو قد عدّ نفسه من الغُيُر عليها المحبّين لها الحانين عليها ، الرامين إلى رفعتها وإعلاء شأنها .

عليه ـ وقد وضع نفسه في هذا الموضع ـ أن يتنكّب سبيل الهدّامين العابثين من أعداء الاُمّة الإسلامية أو من أبنائها العققة ، الّذين شغلوا أنفسهم والامة معهم بأخبار المُجّان والملحدين ، وبكتبهم وتراثهم المليء بالسموم . . . الضارّ لهذه الاُمّة في حاضرها ومستقبلها ، كما ضرها أعظم الضرر في ماضيها .

وعليه أن يتحرّى في اختيار الكتاب الذي يريد أن يحييه ، أن يكون من الكتب التي تنفع الاُمّة وتهديها في حاضرها ومستقبلها ، أو تحفظ عليها شخصيّتها وأصالتها أو تكبت أعداءها والحاقدين عليها .

والاُمّة المسلمة في حاضرها الراهن ـ وهي في بداية صحوتها ـ قد تكالبت قوى الكفر عليها ، وتجمّع أعداء الإنسانية ضدّها ، وأجلبوا عليها بخيلهم ورَجِلهم وعَددهم

٧
 &

وعُددهم .

الاُمّة المسلمة محتاجة لجهود أبنائها ، فلا يحلّ لأيّ فرد منهم أن يضيع جهوده عبثاً فيما لا طائل تحته ، فضلاً عن أن يكون ظهيراً لأعدائها يصنع لهم ما يعود على أبناء ملّته بالدمار والخسار ، ويعطّل مسيرة اُمّته نحو استعادة مكانتها التي أرادها لها الله . . . خير اُمّة اُخرجت للناس .

هذه المرحلة ـ مرحلة اختيار الكتاب المراد إحياؤه ـ أخطر مراحل التحقيق ـ فيما أرى ـ وأدقّها ، تستدعي من المحقّق المسلم النظر الفاحص ، ودقّة الملاحظة ، والوجدان الحيّ ، والغيرة البالغة . . . لأنّ ما ورثناه من الكتب منه ما كتبه المخلصون العارفون ، وهو درر خالدة كشجرة طيّبة أصلها ثابت في دين هذه الاُمّة ووجدانها . . . وفرعها في السماء متّصل بالمبدأ الأعلى صاحب الجود والفيض والكرم . . . تؤتي اُكلها كلّ حين في ماضي الاُمّة وحاضرها ومستقبلها عطاءً ربّانيّاً لا ينقطع بإذن الله تعالى ، وأظهر أمثلة هذا النوع تراث أهل بيت الرحمة عليهم السلام وجدّهم الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله .

وممّا ورثناه ـ أيضاً ـ ما كتبه المنحرفون والضالّون وأعداء الإسلام ، ممّن اجتالته شياطين الإنس والجنّ ، وأمراض النفس ، ومتع الحياة الدنيئة .

وممّا ورثناه ـ كذلك ـ هذا الركام الغثّ الفاسد المفسد من أدب عبيد السلاطين من الشعراء ، وشعرهم الذي قصروه على مدح الطاغوت والضحك على ذقنه ، واستولوا به على أموال الاُمّة يتناهبونه بينهم .

أنظر إلى الشاعر المتملّق يقول وقد حدثت بمصر زلزلة :

بالحاكم العدل أضحى الدينُ معتلياً

نجل الهدى وسليل السادة الصُلَحا

ما زُلزلت مصر من كيد يُراد بها

وإنّما رقصت من عدله فرحا

اُنظر كيف يسقط الإنسان ، وتداس الضمائر ، ويُرقص على أشلاء المستضعفين ! . . فالشاعر هنا لم يكتف بمدح طاغوته حتى صوّر الزلزلة المدمّرة بصورة الرقص الخليع الذي اعتاده المترفون . ولم يلتفت إلى المستضعفين الّذين هدمت دورهم على رؤوسهم وأصبحوا بلا مأوى !

ومن هذه البابة تجد مؤرّخي السلاطين ووعّاظ السلاطين وفقهاء

٨
 &

السلاطين . . . إلى آخر القائمة المشؤومة .

هذا الركام الغثّ لطخة عار في تاريخنا الثقافي . . لا أظنّ المحقّق المسلم ينحطّ إلى أن يشغل به نفسه ويضيع به عمره .

وتراثنا طيّب مبارك ، شمل مختلف حقول المعرفة ، ولم يقتصر على فرع من فروعها .

فكم هي الفائدة التي يسديها المحقّق إلى اُمّته يختار كتاباً من طبّنا القديم ، فيخرجه إلى الناس سليماً مفسّراً موضحة عبائره ! عقاقيره من إنتاج بلادنا . . . إن لم تنفع الجسم لم تضرّه ، لا كالأدوية المجلوبة من مغرب شمس الفضيلة ، التي يصحّ فيها قول الشاعر :

............

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

وفي تراثنا الطبّي الكثير الطيّب ، وأودّ أن يعلم أطبّاؤنا الفضلاء أنّ للمعاجم الطبّية ـ التي تصف العقاقير وتذكر مقاديرها عند التركيب ـ ركناً كبيراً في مكتبتنا الإسلامية .

وما أظنّ مريض الطبّ الغربي الحالي أحسن حالاً من مريض الرازي أو ابن سينا .

وقد عادت الصين إلى الوخز بالاُبر ـ طبّها القديم ـ تدرسه وتطبّقه في المستشفيات .

وقبلها الهند أدخلت طبّها القديم مادّة دراسية في جامعاتها ، ومادّة تطبيقية في مستشفياتها .

وقل مثل ذلك في علوم الفلاحة والبيطرة وغيرها .

ونستغني بذلك عن استيراد فسائل النخيل من أمريكا إلى بلاد النخيل !

خلاصة الأمر أنّ حسن الإختيار ـ بل الإجتهاد في الإختيار ـ هنا واجب عيني لا رخصة فيه .

* * *

وحين يقع اختيار المحقّق على كتاب لم يحقّق حسب القواعد المتعارفة ، أو كانت لديه زيادة تنقير وتدقيق فاتت المحقّق الأول ، أو ظهرت من الكتاب نسخ

٩
 &

مخطوطة أصيلة تزيد الكتاب ثقة به واطمئناناً إليه واعتماداً عليه . . .

حينذاك يبدأ سعي المحقّق في تجميع النسخ ، وهي ـ في الوقت الحاضر ـ مصوّرات كلّما ازدادت وضوحاً في التصوير ازدادت شبهاً بأصلها ، وحلّت محلّه في القراءة وتهيئة النسخة للعمل (١) .

وهنا تظهر فائدة فهارس المخطوطات ، لمعرفة أماكن هذه النسخ والسعي في الحصول على مصوّراتها .

ولا ننسى الإستعانة بذوي الخبرة في الهداية إلى مظانّها وتقييمها ، وفي إعانتهم للمحقّق في تحصيلها بما لهم من صلات مع أصحاب الكتب والقائمين عليها .

* * *

فحص النسخ وتقييمها

وهنا يأتي دور فحص النسخ لاعتماد ما يجب الإعتماد عليه منها وإهمال ما ينبغي إهماله .

وهذا الدور من أهمّ أدوار هذا الفنّ ، لأنّ نتيجة التحقيق وثمرة جهد المحقّق مبنيّتان عليه .

وقد اعتورت مخطوطاتنا ظروف كانت حسنة حيناً سيّئة أحياناً كثيرة .

وتداولتها ـ بعد أيدي النسّاخ ـ أيدٍ كانت في الغالب غير أمينة :

فمن متولّي وقف حَسّن له الشيطان وألجأه فقر المجتمع المتخلّف إلى بيع ما تحت يده ، فمزّق الورقة الاُولى ليضيع أثر الوقف ، ففوّت علينا معرفة عنوان الكتاب واسم مؤلّفه وفوائد اُخر .

ومن متعصّب ضيّق الاُفق ساءه أن يرى لعالم من غير أهل نحلته أثراً ، فعدا عليه تمزيقاً أو شطباً أو محواً أو تحريفاً لما لا يروقه . . .

ومن وارث جاهل صار ما وصل من ذخيرة الاُمّة إليه لعبة لأطفاله ، مبذولاً لكلّ من هبّ ودبّ من معارفه .

ومن . . ومن . .

____________________________

(١) قلنا هذا ، لأنّ اختبار الورق والحبر لا يمكن إلّا على المخطوطة نفسها .

١٠
 &

دع عنك عاديات الطبيعة في النسخ نفسه من سهو وسبق قلم أو نظر . .

وعاديات الطبيعة على الكتاب نفسه ـ ورقاً وحبراً ـ من رطوبة وحشرات لها بالورق المكتوب ولع غريب .

وليس معنى هذا إنكار ما لبعض الأيدي ـ متولّية وقف أو وارثة ـ من الأمانة والحيطة على الكتاب .

وليس هو كذلك إنكار فضل اُولئك النسّاخ العارفين الضابطين ، فأنت تقرأ في ترجمة ياقوت المستعصمي ـ الخطّاط المعروف ـ أنّه كان مولعاً بنسخ نهج البلاغة بخطّه المضبوط الجميل .

وتقرأ في تراجم كثير من العلماء أنّه كان يكتب خطّاً فصيحاً صحيحاً .

هذه النوائب التي حلّت بالكتاب ـ وغيرها كثير ـ توجب على المحقّق أن يكون مدقّقاً منقّباً حذراً ، ينفض النسخة وجهاً لبطن ، عند فحصه لها .

وليعلم أن للنسخ التي وصلت إلينا حالات غريبة منها :

١ ـ أن تكون النسخة كاملة سالمة واضحة الخطّ فصيحته جميلته ، بخطّ مؤلّفها أو خط معتمد موثوق به ، أو تكون منقوطة مشكولة شكلاً كاملاً على الصحّة ، أو تحتوي ـ من الصور أو الرسوم البيانية أو غير ذلك ـ ما يضنّ به على الضياع .

فالأَوْلى طباعة هذه النسخة بالتصوير ، كي لا ندخل عليها من سهو القلم وأخطاء التطبيع ما يشوّه جمالها ويذهب بصحّتها .

ولا يعتذرن ـ هنا ـ بصعوبة الحرف المخطوط ، فإنّه أمر مبالغ فيه ، والمطّلعون يعلمون أنّ في تراثنا مخطوطات رائعة الجمال تزري بالخطّ الطباعي مهما بلغ من الجمال والنظافة ، لأنّ الخطّ الطباعي خطّ ميّت سطرته آلة ميّتة ، وخطّ اليد يستمد حياته من اليد التي كتبته .

والعمل الذي يقوم به المحقّق في هذه النسخة :

أ ـ أن يقدّم لها مقدّمة وافية في ترجمة المؤلف ووصف النسخة وتوثيق نسبتها وبيان أهمّيتها . . .

ب ـ أن يذيّلها بهوامش التحقيق الكافية ، وبالفهارس التي توصل القاریء إلى

١١
 &

مطالبها (١) .

٢ ـ أن تكون النسخة من المطبوعات القديمة التي ضاعت اُصولها المخطوطة ، وهذه ينبغي الحذر عند تحقيقها والتثبّت البالغ ، وأن يوكل أمرها إلى شيوخ المحقّقين .

٣ ـ المترجمات إلى اللغات الاُخرى ـ غير العربية ـ التي ضاعت اُصولها المخطوطة ، والعمل في هذا النوع ملقى على عاتق المترجم العارف ، ويجدر به أن يستعين في ترجمتها بما سلم من كتب المؤلف باللغة العربية ، وبما نُقل من نصوص الكتاب في الكتب الاُخرى .

وبعد هذه العجالة ـ التي لا يتّسع المقام لأكثر منها ـ نعود إلى التقسيم الإعتيادي للنسخ ، وهو أمر متّفق عليه ـ أو يكاد ـ بين جمهرة المشتغلين بهذا الفنّ .

وعندهم أنّ أعلى النسخ هي النسخة التي كتبها المؤلف في آخر صورة أخرج بها كتابه للناس .

أو كتبت بخطّ معتمد وقرأها المصنّف أو قرئت عليه وسجّلت عليها هذه القراءة .

أو نسخة كتبت من نسخة المصنّف وعورضت بها أو قوبلت عليها .

أو نسخة كتبت في عصر المصنّف وعليها سماعات العلماء .

أو تكون النسخة من النسخ التي حظيت باهتمام العلماء بالقراءة أو الإجازة أو السماع ، وأن يكون فيها ما يدل على التصحيح .

هذه النسخ تقوم إحداها مقام الاُخرى عند فقدانها ، وهي النسخة التي يعبّرون عنها بالأصل أو الاُمّ .

وهذا القول ليس على إطلاقه فإنّ لكلّ نسخة من الخصائص ما يضطرّ المحقّق إلى اعتمادها أو تركها ، فَرُبَّ نسخة لم يشفع لها قدمها أو حسن خطّها أو كتابة عالم معروف لها . ورُبّ نسخة تقدّمت على نسخة أقدم منها أو أحسن خطّاً .

وعند اعتمادنا نسخة أصلاً تكون النسخ الاُخرى مساعدات في القراءة والنقط والضبط وزيادة ما أسقطه السهو . . . وأشباه هذه الاُمور .

____________________________

(١) اُنظر في هذا الباب : في منهج تحقيق المخطوطات ـ مطاع الطرابيشي ـ ص ٦٨ ـ ٧٢ .

١٢
 &

هذا مجمل القول في نسخة الأصل .

وتبقى عندنا الكثرة الكاثرة من النسخ التي لا تملك من مميّزات النسخة الأصل شيئاً ، أو التي يؤخّرها التقييم عن مرتبة الأصل ، ولكن لها من القرائن الداخلية أو الخارجية ما يمنحها الثقة بها والركون إليها .

هذه النسخ أجود الطرق في تحقيقها الطريقة المعروفة بـ ( التلفيق ) وعلينا ـ والحالة هذه ـ أن نخرج من مجموع هذه النسخ نصّاً مرضيّاً ، نتحرّى فيه الصحّة والكمال جهد الطاقة .

وفي الحواشي مضطرَب واسع لإثبات الإختلافات بين النسخ وتوجيهها ، ولتسجيل ما يعنّ لنا من ملاحظات واستدراكات وتوضيحات . وينبغي أن لا يفوتنا من النسخ شيء ذو فائدة ، فنسجّل كل ما نعثر عليه . . فرُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه .

وفي طريقتَي التحقيق ـ طريقة الأصل أو طريقة التلفيق ـ تجب المحافظة على كل ما كتب في النسخ أو في هوامشها ممّا له علاقة بالكتاب بتسجيله في هوامش التحقيق .

للبحث صلة . . .

١٣
 &

من المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم ( ١ )

عبد الحسين محمد علي البقّال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وآله الطيّبين ، وصحبه المنتجبين . . .

وبعدُ ؛ . . .

فالبحث هنا نأتي عليه من خلال :

أولاً : المقدّمة

ـ ١ ـ

إنّ لغتنا الرسالية هي لغة حيّة معطاءة ؛ وليس بكثير عليها إذا قلنا عنها : إنّها تضاهي سائر اللغات العالمية ، إن لم تكن ـ كما هو الواقع ـ السبّاقة والرائدة من بينها .

لغتنا ؛ واُريد بها تلك العربية المبينة التي تخصّنا نحن المسلمين قاطبة ، المجتمعين على رفع راية ؛ لا إلٰه إلّا الله ، محمد رسول الله .

نعم ، لغتنا ، وهي كلمة الربّ إلى جميع عباده ؛ في قرآنه المبين وسُنّته الشريفة ، والروائع من نهج أئمّة أهل بيت رسوله الأمين ، وصحبهم الصلحاء المتّقين .

اللغة النظامية الإنسانية ؛ الشاملة شمول وعموم ودقّة ونظامية وكونية الدين الحنيف ، الذي يسقي الحياة حياة سعيدة ، بفيض كؤوسه وديمومة دواليه .

١٤
 &

ـ ٢ ـ

وهي بعد كذلك ، رموز الفطرة ، وإشارات الخَلَجات النفسية ، فعبارات الروابط الإجتماعية ، إلى كونها مصطلحات في مختلف مجالات العلاقات الدولية ؛ بل ، وإلى شتّى الشؤون العالمية .

هي تاريخ حكاية العقيدة والعاطفة ، الروح والجسد ، في سلوكاتها المَرئيّة وغير المَرئيّة ؛ صائرةً بين الخوف والرجاء ، من الله وإلى الله ؛ ثقة واطمئناناً ؛ حُبّاً ووفاءً ، التزاماً وتضحيةً ؛ سعادةً وخلوداً .

هي قصّة الحضارة والمدنيّة ، ومفردات الصياغة القانونية ، في جميع الميادين ، وسائر التطبيقات .

بل ، هي حروف التربية المسؤولة ، وسطور الإقتصاد المتكافیء ، وتعابير السياسة الدعائية ، وغيرها من بقيّة الظواهر الحياتية .

ـ ٣ ـ

أليست هي لغة الإنسان الرسالي ؛ اللغة الاُمَمِيّة الخالدة خلود شرائع الإسلام ، الهديّة الناطقة بعظمة مُهديها ، والمُنزَّلة إلى خليفته في الأرض ، الذي يفترض فيه أن يكون بمستوی آمالها ؛ ثمّ له بعد أن يُبدع بجديد المعاني ، على ضوءٍ من مواصفاتها وَمجازاتها . . .

أليست هي لسان حال الثوّار ، إسماعيل وهود وصالح ، محمد وخديجة ، علي وفاطمة ، سُمَيَّة وعمّار ، زينب والحسين ؟ !

وهل مِن شكٍّ ، في أنّها هي هي أصوات سائر المناضلين الأحرار ؛ المدويّة من أجل : إحياء المُثُل والقِيَم ، وتحقيق كرامة بني الإنسان .

ـ ٤ ـ

فيا لَلُغَة القرآن من لغة بنّاءة ـ إنْ هي تُركت كما اُريد لها ـ : وَفِيّةً بشفاء الصدور ، ثريّةً بإعمار القلوب ، ندِيةً بترانيم الحبّ ، زخّارةً بأسباب الوحدة والتوحيد ،

١٥
 &

حَنِيّةً بتطبيب النفوس .

وما أروعها من وسيلة بيان ، . . .

ما أدراك بها من وسيلة ، الضرورة تقضي بلزوم فهمها ومتابعتها ؛ ثم وجوبِ اتّحاد النطق تحت لوائها .

ولكن ، ينبغي أن يُفهم ومنذ البداية ؛ أن لا تنافي في الوقت نفسه ، بين وجوب الإلتزام بها ، ووجوب مراعاة الخصوصيّات الإقليمية والقومية وغيرهما ، لتلك اللغات الإنسانية المتوارَثة مِن عداها ، طالما لا تتعارض ومبادیء ، خاتمة الأديان .

وكيف لا يجبُ احترامُ تلك المتوارَثة ؛ وهذا القرآن الكريم نفسه بين أيدينا يُعَدُّ التاريخَ الصادق ، لما جاء فيه ـ على قولٍ ليس بالخَفِيّ ـ من نماذجها .

أجل ، بوركت لغتنا ، نحن المسلمين كل المسلمين ، شعوباً وقبائل ، عَرَباً وغير عَرَب ؛ ما كان هناك مكان ، وأنّى بقي في البين زمان .

ـ ٥ ـ

وأمّا المنهج الذي سوف نتّبعه في فهرسة موادّ هذا المعجم ؛ فهو باختصار : الآخذ بالترتيب المزدوج : الإشتقاقيّ منه ، والهيئتيّ .

هو الترتيبُ الآتي على كِلا الحُسْنَيْن ؛ بأن يُفهرس المفردات لأجل دراستها ، ولكن بحسب جذور اُسَرِها الإشتقاقية ، وبذلك يحفظ للكلمة كينونيّتها العائلية .

ويُفهرس الهيئات مجرّدة ، محالة ـ كما هي ـ على موادّها ، بحسب صورها الظاهرية ، وبذلك يتيسّر استخراجها ومعرفة اُصولها بنقلة واحدة ، وخاصة تلك الغربية الإشتقاق منها ، كما هو الحال مَثلاً في طائفة من مفردات افتعل ، اضطرب واضطهد . . .

ـ ٦ ـ

وأمّا الكلمة المُنْتَخَبة ، التي سنخصّص لها حلقتنا هذه ؛ فهي : أرائك .

من حيث اشتقاقها ؛ باعتبارها مشتقّة ، مع تحديد مادّتها ، حسب موازين الصرف والصرفيّين .

١٦
 &

ومن حيث معانيها في اللغة ، ثم في القرآن والحديث ؛ ومن ثمّ الكيفية في توحيد تلك المعاني .

وهكذا ، إلى كلّ ما هو متيسّر في مقدورنا من بحث جوانبها ، وبحدود اطّلاعنا من مصادرها ؛ والله من وراء القصد .

ثانيا : الأرائك

ونأتي عليها من خلال الحقول الآتية :

الحقل الأول

في : آياتها المباركة

حيث قد وردت في سورة : أ . الكهف ، آية : ٣١ ب . يس ، آية : ٥٦

ج . الإنسان ، آية : ١٣ د . المطفِّفين ، آية ٢٣ ، ٣٥

الحقل الثاني

في : المقصد والمستعمل منها

حيث لم ترد مع الأرائك ، من بقيّة المشتقّات من اُسرتها ؛ غيرها .

كذلك ؛ فإنّ لفظ الأرائك ، قد ورد في القرآن الكريم خمس مرّات فقط ؛ وهي جميعاً في وصف أهل الجَنّة (١) .

الحقل الثالث

في : الصرف ووجه التسمية

ـ ١ ـ

هكذا وردت بصيغة الجمع ، لِمُفْرَدَة « أريكة » (٢) ؛ وهي التي على زِنة

____________________________

(١) يُنظر : دراسات مقارنة في المعجم العربي : ١٨ ، تأليف الدكتور يعقوب بكر ، جامعة بيروت العربية ، سنة ١٩٧٠ م .

(٢) يُنظر : معجم الفاظ القرآن الكريم : م ١ ص ٣٦ .

١٧
 &

فعلية ، مؤنّث فعيل ؛ من الفعل : أَرَكَ بالمكان يأرك : أقامَ به (٣) .

وقد تُجْمَع : على : اُرُك ؛ كما يقال : سفينة وسفائن وسُفُن (٤) ؛ وقد تُجْمَع أيضاً على : أرِيك (٥) .

ـ ٢ ـ

ووجه التسمية :

إمّا لكونها في الأرض ، متّخَذة من أراكٍ . وهو شَجَرةٌ .

أو لكونها مكاناً للإقامة ؛ من قولهم : أَرَك بالمكان اُروكاً ؛ وأصل الاُروك الإقامة على رعي الأراك ، ثُمّ تُجُوِّزَ به في غيره من الإقامات (٦) .

الحقل الرابع

في : قائمة المعاني

وهي كما يلي :

أوّلاً : الوسادة بلحاظ الأريكة ؛ والوسائد بلحاظ الأرائك (٧) .

وقيل : الطِنْفَسَة أو الوسادة ، وفُسِّرت الطِنْفَسَةُ بـ : البِساط (٨) .

ثانياً : كلُّ ما اتُّكِیء عليه (٩) .

أو بتعبير : كلُّ ما يُتَّكَأ عليهِ ، مِن مِسْوَرة وغيرها (١٠) .

أو بتعبير : كلُّ ما اتُّكِیء عليهِ ، مِن سرير أو فِراش أو مِنَصَّة ؛ وفي الحديث :

____________________________

(٣) يُنظر : معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : ص ٣٦ ، ومجمل اللغة : ١ / ١٨١ ، وأساس البلاغة : ص ٥ .

(٤) يُنظر : التبيان : ٨ / ٤٦٨ ، والجامع لأحكام القرآن ـ تفسير القرطبي ـ : ١٥ / ٤٤ .

(٥) يُنظر : دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص ١٨ .

(٦) معجم مفردات ألفاظ القرآن ـ مفردات الراغب الأصفهاني ـ : ص ١٢ ؛ ويُنظر : التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ١ / ٥٩ ؛ وفيه : « . . . من الأوقات » ، وهو تصحيف .

(٧) يُنظر : التبيان : ٨ / ٤٦٨ ، ومجمع البيان : ٨ / ٤٢٩ .

(٨) التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ١ / ٥٨ ـ ٥٩ .

(٩) الغريبين للهروي : ١ / ٤٠ ، ومجمع البيان : ٨ / ٤٢٩ .

(١٠) التبيان : ١٠ / ٢١٣ ، ومجمع البيان : ١٠ / ٤١٠ ؛ والمِسْوَرة : التي يُتَّكَأ عليها ، كما في فقه اللغة وسرّ العربية ـ للثعالبي ـ : ص ٢٤٩ .

١٨
 &

« ألا هل عسى رجلٌ يبلغُهُ الحديث عنّي ، وهو مُتَّكِیء على أريكَتِهِ ، فيقول : بيننا وبينكم كتابُ الله » (١١) .

ثالثاً : السرير ، بلحاظ الأريكة ؛ والأسِرّة ، بلحاظ الأرائك (١٢) .

قال ذو الرمّة :

خدودٌ جَفَت في السير حتى كأنَّما

يُباشِرْنَ بالمَعْزاءِ مَسَّ الأرائكِ (١٣)

وجَفَت ؛ أي : خَشُنَت وصَلُبَت .

والمَعْزاء : الأرض الغليظة ، فيها حَصَى (١٤) .

يقولُ : مِن شِدَّةِ الحاجةِ إلى النوم ؛ يَرَوْن الأرضَ الصلبة ذات الحِجارة مثل الفُرُش على الأرائك ـ وهي : السُرُر ـ ؛ ويُرَوى : « خدوداً » ، على أنّه مفعولٌ لِفعلٍ في البيت قبله (١٥) .

رابعاً : مَقْعَدٌ مُنَجَّدٌ يُجْلَسُ عليه ، ويكون محوطاً بالستائر والزينة (١٦) .

خامساً : الفُرش في الحِجال .

أو بتعبير : الفُرش فوق الأسِرَّة (١٧) .

سادساً :

أ ـ سريرٌ في حَجَلة .

أو بتعبير : السريرُ في الحَجَلة ؛ أو : الأسِرَّةُ في الحِجال ؛ أو : سُرُر في الحِجال ؛ أو : السرير في الحَجَلة ؛ من دونه سِترٌ ، ولا يُسَمّى منفرداً أريكة (١٨) .

يقول ابن فارس : سمعتُ علي بن إبراهيم القطّان ، يقول : سمعتُ ثعلباً ، يقولُ :

____________________________

(١١) النهاية في غريب الحديث والأثر : م ١ ص ٤٠ ؛ ويُنظر : معجم ألفاظ القرآن الكريم : م ١ ص ٣٦ .

(١٢) التبيان : ٧ / ٤٠ .

(١٣) المصدر نفسه : ٧ / ٤٠ ، و ٨ / ٤٦٨ ؛ ويُنظر : ديوان ذي الرّمة : ص ٤٤٢ ، ومجاز القرآن : ١ / ٤٠١ ، وتفسير الطَبَري : ١٥ / ١٤٨ ، ومجمع البيان : ٦ / ٤٦٦ .

(١٤) التقفية في اللغة : ص ٤٦ .

(١٥) الجامع لأحكام القرآن : م ١٠ ح ١٩ ص ١٣٧ ( الهامش )

(١٦) معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : ص ٣٦ .

(١٧) يُنظر : التبيان : ٧ / ٤٠ ، ومجمع البيان : ١٠ / ٤١٠ ، والجامع لأحكام القرآن : م ٥ حـ ١٠ ص ٣٩٨ .

(١٨) يُنظر : معجم مقاييس اللغة : ١ / ٨٤ ، والغريبين : ١ / ٤٠ ، والتبيان : ٧ / ٤٠ ، و ١٠ / ٢١٣ ، والنهاية : ١ / ٤٠ .

١٩
 &

الأريكة لٰا تكون إلّا سريراً مُنَجَّداً في قُبَّةٍ ، عليه شَوارُهُ ونَجْدُهُ (١٩) .

ب ـ الحِجال فيها الأسِرّة (٢٠) .

ج ـ وهذه التعابير ، في « أ » و « ب » ؛ كلُّها تَؤُولُ إلى مؤدَّى واحد ؛ تَتَّحِدُ فيه : في وسطه « في » ؛ ثمّ تتوزّعُ بعد ذلك ، لِتتبادَل المراكزَ في طرفيه ، في مُقَوِّمَيْهِ « السرير » و « الحَجَلة » .

وهذه المُداعبة في الألفاظ ـ إن صَحَّ مثلُ هذا القول ـ ؛ ولعلّها من قبيل كون الحركة والاتّجاه :

تارةً من السرير ـ وهو الداخل في ـ ، يمشي برجليه إلى الحَجَلة ـ وهي المدخولُ فيها ـ وتارة من الحَجَلة ـ وهي المدخولُ فيها ـ تُقْبِلُ بوجهها على السرير في مكانِه ، فتحتضِنُهُ ليدخُلَ فيها .

بل ، لعلّه من حيثُ التقديمُ والتأخير ؛ مِن قبيل ما في التعبير القرآني ـ وما أروعه ـ :

« . . . مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ . . . » ؛ في سورة الطور ؛ آية : ٢٠ .

و « . . . سُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . . . » ؛ في سورة الزخرف ؛ آية : ٣٤ .

نعم ؛ فَبُورِكْتِ مِنْ حَجَلةِ مسّراتٍ ، على اسم الله ، وبٱسمِ الله ، وفي حُبِّ الله .

نعم ؛ وعندها يحلو القولُ : أريكةٌ ويا لكِ من أريكةٍ ، في شِرعةِ التقى والنُهى .

د ـ وأمّا الحَجَلَة ـ بالتحريك ـ ؛ فهي : « بيت كالقُبَّة يُسْتَرُ بالثياب ، وتكون لُه أزرارٌ كِبار ؛ وتُجْمَعُ على حِجال » .

وأمّا الأعشى ، فقد أنشد :

بين الرواقِ وجانبٍ من سترها

منها وبين أريكةِ الأنضادِ

أي : السرير في الحَجَلة (٢١) .

____________________________

(١٩) مُجمل اللغة : ١ / ١٨١ ، ويُنظر : الصاحبي في فقه اللغة : ص ٩٨ .

(٢٠) مجمع البيان : ١٠ / ٤١٠ .

(٢١) النهاية : ١ / ٣٤٦ ؛ وفي ديوان الأعشى ، القصيدة ١٦ ، البيت الرابع .

إلّا أنّه ينبغي أن يُعلم : أنّ المطبوع في كِلا المصدرين : « . . مِن سيرها منها . . » .

وهو تصحيف ، قد تنبَّه له الدكتور يعقوب بكر ؛ حيث قال في كتابه « دراسات مقارنة في المعجم العربي » ص ١٩ :

٢٠