عهد الإمام الحسين عليهالسلام
زياد الشرّ وحجر الخير :
قال اليعقوبي : كان المغيرة الثقفي إذا رقى المنبر يلعن عليّا (عليهالسلام) فإذا سمعه حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق (خفيف اللحية) الخزاعي وأصحابهما من «شيعة عليّ» يقومون فيردون اللعن عليهم ويتكلّمون.
فلمّا قدم زياد الكوفة بعد المغيرة وخطب خطبته المشهورة التي لم يحمد الله فيها ولم يصلّ على محمّد ... وجّه إلى حجر فأحضره وقال له : يا حجر : أرأيت ما كنت عليه من الموالاة والمحبّة لعلي (عليهالسلام)؟ قال : نعم! قال : فإن الله (!) قد حوّل ذلك بغضة وعداوة! أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية قال : نعم! قال : فإن الله (!) قد حوّل ذلك محبّة وموالاة! فلا أعلمنك ذكرت أمير المؤمنين معاوية! بشرّ! أو ذكرت عليّا بخير!
ثمّ بلغه أنهم يجتمعون فيتكلّمون ، ويدبّرون عليه وعلى معاوية ويذكرون مساويهما ويحرّضون الناس عليهما! فوجّه صاحب شرطه إليهم. فهرب عمرو بن الحمق الخزاعي وعدة معه إلى الموصل ، واخذ جماعة منهم ، منهم : حجر بن عدي الكندي وثلاثة عشر رجلا من أصحابه.
وكتب فيهم إلى معاوية : أنهم زروا على الولاة فخرجوا بذلك من الطاعة ، وخالفوا الجماعة في لعن أبي تراب! وأنفذ الكتاب بشهادات قوم أوّلهم أبو بردة ابن أبي موسى الأشعري ... وكان ذلك في سنة (٥٢ ه) (١).
هذا ، وتأخّر المسعوديّ بها إلى سنة (٥٣ ه) ثمّ قال : وقيل : إنّ ذلك كان في سنة (٥٠ ه).
وقال : كان تسعة من أصحابه من الكوفة وأربعة من غيرها. ولم يعقّب إلّا بنتا واحدة ، فلمّا حملوهم (ليلا) أنشأت تقول للقمر :
ترفّع أيها القمر المنير |
|
لعلّك أن ترى حجرا يسير |
يسير إلى معاوية بن حرب |
|
ليقتله ، كذا زعم الأمير! |
ويصلبه على بابي دمشق |
|
وتأكل من محاسنه النسور |
ألا يا حجر ، حجر بني عديّ |
|
تلقّتك السلامة والسرور |
أخاف عليك ما أردى عليا |
|
وشيخا في دمشق له زئير! |
ألا يا ليت حجرا مات موتا |
|
ولم ينحر كما نحر البعير |
فإن تهلك فكل عميد قوم |
|
إلى هلك من الدنيا يصير |
فلما بلغوا إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا (٢٤ كم) من دمشق تقدّم البريد بخبرهم إلى معاوية ، فبعث إليهم برجل أعور مصاب بإحدى عينيه ليضرب أعناقهم هناك. فلمّا وصل وعرف حجرا قال له : إن أمير المؤمنين! قد أمرني بقتلك ـ يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان! والمتولى لأبي تراب ـ وقتل أصحابك ، إلّا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرّؤوا منه!
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣٠ ، وتقدّم ابن الخيّاط بها إلى سنة (٥١ ه) : ١٣١.
فأجابه حجر : إن الصبر على حدّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه ، ثمّ القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النار! وصدّقه جماعة ممّن كانوا معه.
ثمّ كلّم معاوية قوم في ستّة منهم ، وهم نصف من كان مع حجر أجابوا إلى البراءة من عليّ!
فلمّا قدّم حجر ليقتل قال : دعوني اصلّي ركعتين ، فجعل يطوّل في صلاته ، فقيل له : أجزعا من الموت! فقال : لا ، ولكنّي ما تطهّرت للصلاة قط إلّا صلّيت وما صلّيت قط أخفّ من هذه. ثمّ قال : وكيف لا أجزع وإنّي لأرى قبرا محفورا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا (١) ولو لا أن تظنّوا بي خلاف ما بي لأحببت أن تكون الركعتان أطول ممّا هما ، وإنّي لأوّل من رمى بسهم في هذا الموضع وأوّل من اهلك فيه ، ثمّ ضربت عنقه ، ثمّ أعناق القوم معه ، ثمّ كفّنوا ودفنوا ، وهم : حجر بن عدي الكندي ، وشريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة ابن ضبيعة العبشمي ، ومحرز بن شهاب التميمي ، وكدّام بن حيّان العنزي (٢) كذا في اليعقوبي ، وفي الطبري : عبد الرحمن بن حسّان الكندي ، وقال : إن معاوية أمر بعزله عنهم فلمّا عزل قال لحجر : لا يبعدنّك الله يا حجر فنعم أخو الإسلام كنت! وردّه معاوية إلى زياد فلم يقتله ولكن أمر فدفنوه حيّا! وعدّ منهم كريم بن عفيف الخثعمي وقال هذا لحجر : لا تفقد ولا تبعد فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (٣).
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٣ و ٤.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣١.
(٣) الطبري ٥ : ٢٧٧. ولأبي مخنف كتاب في مقتل حجر رواه عنه الكلبي وعنه الطبري ٥ : ٢٥٢ ـ ٢٨٥ ٣٣ صفحة تقريبا.
عمرو بن الحمق ، وحماقة معاوية :
قال اليعقوبي : إنّ زيادا لمّا وجّه صاحب شرطه إلى أصحاب حجر ، كان منهم عمرو بن الحمق فهرب وعدّة معه إلى الموصل ، وبقي معه رفاعة بن شدّاد البجلي. وارتهن زياد امرأة عمرو فحبسها ثمّ أرسلها إلى دمشق فحبسها معاوية ، فكان أول من حبس النساء بجرائر الرجال في الإسلام!
وكان عامله على الموصل عبد الرحمن بن أمّ الحكم الثقفي ابن اخت معاوية ، وبلغه مكان عمرو ورفاعة فوجّه في طلبهما ، وكان عمرو قد مرض وقد اشتدّت علّته ، وخرجا هاربين فلدغته حيّة ، وكان ممّن أدرك رسول الله وسمع حديثه فقال : الله أكبر! لقد قال لي رسول الله : «يا عمرو ليشترك في قتلك الإنس والجن» فامض لشأنك فإنّي مأخوذ مقتول. وكان رفاعة شابّا شديدا فهرب ، ولحق القوم عمرا فأخذوه وقتلوه وطافوا برأسه على رمح ، فكان أوّل رأس طيف به في الإسلام. وأرسله عبد الرحمن إلى زياد فأرسله إلى معاوية ، فلمّا أتاه رأسه بعث به إلى امرأته في السجن! فقالت للرسول : أبلغ معاوية ما أقول : طالبه الله بدمه ، وعجّل له نقمه ، فقد أتى أمرا فريّا وقتل برّا تقيّا (١)!
ولم يذكر اليعقوبي مدّة حبسها وتواري زوجها الصحابيّ الجليل ، ويظهر من خبر ابن طيفور الخراساني البغدادي عن الزهري : أنه حبسها في سجن دمشق سنتين حتى ظفر عبد الرحمن بعمرو في بعض أرض الجزيرة ، فلمّا قتله وأرسل برأسه قال معاوية للحرسي : اطرح الرأس في حجرها ثمّ احفظ ما تتكلّم به حتّى تؤدّيه إليّ : ففعل هذا ، فارتاعت له ساعة ثمّ وضعت يدها على رأسها وصاحت : وا حزنا لصغار في دار هوان ؛ وضيق من ضيم سلطان! نفيتموه عنّي طويلا ،
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣١ و ٢٣٢. وكان عمره يوم قتل ثمانين عاما ، كما في «أسد الغابة».
وأهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية! وأنا له اليوم غير ناسية! ارجع به أيها الرسول إلى معاوية فقل له ولا تطوه دونه : أيتم الله ولدك! وأوحش منك أهلك! ولا غفر لك ذنبك!
فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالت. فأرسل إليها فأتته وعنده نفر من أصحابه ، فقال لها معاوية : يا عدوة الله! أأنت صاحبة الكلام الذي بلغني؟! قالت : نعم ، غير نازعة عنه ولا معتذرة منه ولا منكرة له ، فلعمري لقد اجتهدت في الدعاء عليك إن نفع الاجتهاد ، وإنّ الحقّ لمن وراء العباد! وما بلغت شيئا من جزائك وإن الله بالنقمة من ورائك!
فقال إياس بن حسل : يا أمير المؤمنين! اقتل هذه فو الله ما كان زوجها أحقّ بالقتل منها!
فالتفتت إليه بكلام شديد قاس ، فضحك معاوية وقال لها : اخرجي من الشام! فخرجت إلى حمص فماتت بالطاعون ، وهي آمنة بنت الشريد (١).
متابعة معاوية لبيعة يزيد :
قال الدينوري : لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن رحمهالله إلّا يسيرا حتّى بايع ليزيد بالشام ، وكتب ببيعته إلى الآفاق (٢).
__________________
(١) بلاغات النساء : ٥٩ ـ ٦١ ، وذكره في الاختصاص المنسوب إلى المفيد : ١٧ وفيه نصّ كتاب أمان له من معاوية! وهو بعيد جدّا ـ وفيه وفي الكشّي : ٤٦ ـ ٥٧ ، الحديث ٩٦ ، وإرشاد القلوب للديلمي ٢ : ٢٨٠ خبر عن أبي حمزة الثمالي ، عن جابر الأنصاري فيه تفاصيل ، فراجعه.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٧٥.
قال : وكتب إلى سعيد بن العاص على المدينة يأمره أن يدعو أهل المدينة إلى البيعة ، ويكتب إليه بمن يسارع إليها ممن لم يسارع.
فلما أتى الكتاب إلى سعيد بن العاص دعا الناس إلى البيعة ليزيد ، وأظهر الغلظة وأخذهم بالشدّة والعزم ... وأبطأ الناس عنها إلّا اليسير لا سيّما بني هاشم ، فإنه لم يجبه إليها منهم أحد. فكتب سعيد بن العاص إلى معاوية :
أما بعد ، فإنّك أمرتني أن أدعو الناس لبيعة يزيد ابن أمير المؤمنين! وأن أكتب إليك بمن سارع ممن أبطأ. وإني أخبرك : أن الناس بطاء عن ذلك لا سيما أهل البيت من بني هاشم فإنه لم يجبني أحد منهم وبلغني عنهم ما أكره. وأما الذي جاهر بعداوته وإبائه لهذا الأمر فعبد الله بن الزبير ، ولست أقوى عليهم إلّا بالخيل والرجال ، أو تقدم بنفسك فترى رأيك في ذلك ، والسلام.
فكتب معاوية إلى الحسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر كتبا ، وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم ويبعث بجواباتها إليه (١).
كتب معاوية إلى الحسين وابن عباس وابن جعفر :
كتب إلى الحسين عليهالسلام : أما بعد فقد انتهت إليّ منك أمور لم أكن أظنك بها ، رغبة عنها. وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطى بيعته من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها ؛ فلا تنازع إلى قطيعتك ، واتّق الله! ولا تردّن هذه الأمّة في فتنة! وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(٢).
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ١٧٧ ، ١٧٨.
(٢) الروم : ٦٠.
وكتب إلى ابن عباس ، أمّا بعد ، فقد بلغني إبطاؤك عن البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين ، وإني لو قتلتك بعثمان لكان ذلك إليّ! لأنك ممّن ألّب عليه وأجلب ، وما معك من أمان فتطمئن به ولا عهد فتسكن إليه ، فإذا أتاك كتابي هذا فاخرج إلى المسجد والعن قتلة عثمان! وبايع عاملي ، فقد أعذر من أنذر وأنت بنفسك أبصر ، والسلام.
وكتب إلى عبد الله بن جعفر : أما بعد ، فقد عرفت أثرتي إياك على من سواك ، وحسن رأيي فيك وفي أهل بيتك ، وقد أتاني عنك ما أكره! فإن تبايع تشكر وإن تأب تجبر! والسلام.
وكتب إلى سعيد بن العاص : أما بعد ، فقد أتاني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من إبطاء الناس عن البيعة ولا سيّما بني هاشم ... وقد كتبت إلى رؤسائهم كتبا فسلّمها إليهم وتنجّز منهم جواباتها وابعث بها إليّ حتّى أرى فيهم رأيي! ولتشدّ عزيمتك ولتصلب شكيمتك (١)!
وقال الكشيّ : روي أنّ مروان بن الحكم ، وكان عامل معاوية على المدينة (٢) كتب إليه :
أما بعد : فإن عمرو بن عثمان ذكر : أنّ رجالا من وجوه أهل الحجاز وأهل العراق يختلفون إلى الحسين بن علي. وذكر (عمرو) أنه لا يأمن وثوبه (قال مروان) : وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا ، (ولكن) لست آمن أن يكون هذا لما بعده! فاكتب إليّ برأيك في هذا ، والسلام.
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ١٧٨ و ١٧٩.
(٢) وتولية مروان المدينة بعد قتل حجر وعمرو كان في سنة (٥٤) ، انظر تاريخ خليفة : ١٣٧ واليعقوبي ٢ : ٢٣٩.
فكتب إليه معاوية : أما بعد ، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين.
فإيّاك أن تعرض للحسين في شيء! واترك حسينا ما تركك ، فإنا لا نريد أن نعرض له في شيء ما وفي ببيعتنا ولم ينازعنا سلطاننا ، فاكمن عليه ما لم يبدلك صفحته ، والسلام.
وكتب معاوية إلى الحسين عليهالسلام ما ذكر (١).
جواب الحسين عليهالسلام ومن معه :
فلمّا وصل الكتاب إلى الحسين عليهالسلام كتب إليه : أما بعد ، فقد بلغني كتابك ، تذكر أنه قد بلغك عنّي أمور أنت لي عنها راغب. وأنا بغيرها عنك جدير. فإنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلّا الله.
وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عنّي ... فإنه إنّما رقّاه إليك الملّاقون والمشاؤون بالنميم ، فما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وايم الله إنّي لخائف الله في ترك ذلك! وما أظنّ الله راضيا بترك ذلك ، ولا عاذرا بدون الإعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشياطين.
ألست القاتل حجر بن عدي أخاكندة ، والمصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون (ويستفظعون) البدع ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، ثمّ قتلتهم ظلما وعدوانا! من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة (أن) لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا بإحنة (حقد) تجدها في نفسك (٢).
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٧ ، ٤٨ ، الحديث ٩٧ و ٩٨.
(٢) إنما سبق هذا العهد في قرار التحكيم في صفين ، ثمّ في عهد الصلح مع الحسن عليهالسلام لا غيرهما.
أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه ، بعد ما أمّنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل! ثمّ قتلته جرأة على ربك واستخفافا بالعهد (١).
أو لست المدّعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنه ابن أبيك! وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركت سنة رسول الله تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله! ثمّ سلّطته على العراقين ، يقطع أيدي المسلمين (٢) وأرجلهم ، ويسمل أعينهم ، ويصلّبهم على جذوع النخل! كأنّك لست من هذه الامّة وليسوا منك!
أو لست صاحب الحضرميّين الذين كتب فيهم ابن سمية : أنّهم كانوا على دين عليّ!
فكتبت إليه : أن اقتل كلّ من كان على دين عليّ! فقتلهم ومثّل بهم بأمرك (٣) ودين عليّ ـ والله ـ الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف.
__________________
(١) يصحّ فيه ما مرّ في حجر ، وانفرد الاختصاص : ١٧ بنصّ أمان له ، وهو بعيد جدّا.
(٢) مرّ الخبر عن قطعه أيدي ثلاثين أو ثمانين رجلا ظنّ أنّهم حصبوه في الكوفة.
(٣) هما : عبد الله بن يحيى الحضرمي وأبوه يحيى ، وإنما ذكرا في الحديث ١٠ من الكشي عن الباقر عليهالسلام أنهما كانا يوم الجمل من شرطة الخميس لعليّ عليهالسلام. ثمّ فيما أورده الصدوق في الباب ١٦ من علل الشرائع : أنّ الحسن عليهالسلام (والصحيح : الحسين) عدّ ذنوب معاوية ـ وهو في هذا الكتاب ـ فعدّ منها قتل عبد الله بن يحيى الحضرمي وأصحابه الأخيار (كذا) فإنّ معاوية أخبر بما كانوا عليه من شدة حبهم لعليّ وإفاضتهم في ذكره ، فأمر بقتلهم. هذا كل ما نجده فيهما.
وقلت ـ فيما قلت ـ : انظر لنفسك ودينك ولأمة محمّد ، واتق شق عصا هذه الأمة وأن تردّهم إلى فتنة! وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولامة محمد صلىاللهعليهوآله من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنّه قربة إلى الله تعالى ، وإن تركته فإني أستغفر الله لذنبي ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.
وقلت ـ فيما قلت ـ : إني إن أنكرتك تنكرني وإن أكدك تكدني! فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك ، ولا يكون عليّ أحد أضرّ منه على نفسك! على أنّك قد ركبت بجهلك وتحرّصت على نقض عهدك! ولعمري ما وفيت بشرط! ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، قتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا (عهد يزيد).
فأبشر ـ يا معاوية ـ بالقصاص واستيقن بالحساب ، واعلم أنّ لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التهمة ، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالكلب ، لا أعلمك إلّا وقد خسرت نفسك ، وتبرّت دينك وغششت رعيّتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل [المغيرة] وأخفت الورع التقيّ الحليم والسلام (١) على من اتّبع الهدى (٢).
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٩ ـ ٥١ ، الحديث ٩٩ ، والإمامة والسياسة ١ : ١٨٠ ، ١٨١.
(٢) أنساب الأشراف ٣ : ١٥٦ ، الحديث ٦٦ مختصرا ، وبذيله عن ٢ : ٧٤٤ ، الحديث ٣٠٣ تامّا مع مصادر أخرى عديدة.
هكذا جاهر الحسين عليهالسلام معاوية بالإنكار على منكراته هذه ، وأهمّها بيعة يزيد ، فأطلع معاوية ابنه يزيد على ذلك وقال له : لقد كان في نفسه ضبّ (حقد) ما أشعر به! فقال يزيد : أجبه جوابا تصغّر فيه إليه نفسه ، وتذكر فيه أباه بشرّ فعله!
وكان ذلك بعد ما عزل عن مصر عبد الله بن عمرو بن العاص بعد عامين من أبيه ، وكان قد عاد إليه في دمشق ، فدخل عليه فأقرأه كتاب الحسين عليهالسلام ، فقال مثل قول يزيد ، فضحك معاوية وقال : وقد أشار عليّ يزيد بمثل رأيك ، وقد أخطأتما! أرأيتما لو أنّي ذهبت لعيب عليّ حقا ما عسيت أن أقول فيه؟! ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف! ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل به ولا يراه الناس شيئا وكذّبوه. وما عسيت أن أعيب حسينا؟! وو الله ما أرى للعيب فيه موضعا! وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعّده وأتهدّده (كأنّه لم يفعل) ثمّ رأيت أن لا أفعل (١).
وكتب إليه ابن عباس : أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت : وأن ليس معي منك أمان! وإنّه ـ والله ـ ما منك يطلب الأمان يا معاوية ، وإنّما يطلب الأمان من الله رب العالمين. وأما قولك في قتلي! فو الله لو فعلت للقيت الله ومحمدا خصمك! فما أخاله أفلح ولا أنجح من كان رسول الله خصمه! وأما ما ذكرت من أنّي ممّن ألبّ في عثمان وأجلب. فذلك أمر غبت عنه ولو حضرته ما نسبت إليّ شيئا من التأليب عليه ... وأمّا قولك لي. العن قتلة عثمان ، فلعثمان ولد وخاصّة وقرابة هم أحقّ منّي بلعنهم فإن شاؤوا فليلعنوا أو يمسكوا والسلام.
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٥١ ، ٥٢ ، الحديث ٩٩.
وكتب إليه عبد الله بن جعفر : أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه ... وأمّا ما ذكرت من جبرك إياي على البيعة ليزيد. فلعمري لئن أجبرتني عليها فلقد أجبرناك وأباك على الإسلام حتّى أدخلنا كما فيه كارهين غير طائعين ، والسلام (١).
فلمّا أجابه القوم بالكراهية لبيعة ليزيد وخلافهم لأمره ، كتب إلى سعيد بن العاص : أن لا يحرّك هؤلاء النفر ولا يهيّجهم ، ويأخذ سائر أهل المدينة بالبيعة ليزيد بغلظة وشدّة حتى لا يدع أحدا من المهاجرين والأنصار وأبنائهم حتّى يبايعوا! فأخذهم بذلك فأبوا! فكتب إلى معاوية : إنّما الناس تبع لهؤلاء النفر فلو بايعوك بايعك الناس ولم يتخلّف عنك أحد ، أمّا الآن فلم يبايعني أحد! فكتب إليه معاوية أن سيقدم عليهم بنفسه (٢).
وقدم المدينة حاجّا في ٥١ ه (٣) :
أو عز معاوية إلى سعيد بحجّة لتلك السنة فأوعب سعيد الناس لاستقباله فلما دنا من المدينة ، خرجوا إليه يتلقّونه ما بين ماش وراكب ومعهم النساء والصبيان : فقال لهم في بعض ما يجتلبهم به : يا أهل المدينة! ما زلت أطوي حزني من وعثاء السفر بحبّي لطلعتكم حتى لان الخشن وانطوى البعيد! وحقّ لجار رسول الله أن يتاق إليه!
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ١٧٩ ، ١٨٠. وأنساب الأشراف ٣ : ٥٩ ، الحديث ١٦٦ وقال : وكان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف (مليون) درهما.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ١٨٢.
(٣) صرّح بالسنة ٥١ تاريخ ابن الخياط : ١٣١ ـ ١٣٤. ولم يصرّح بها الدينوري في الإمامة والسياسة ١ : ١٨٢ إلّا أنه ذكره بعد ذكره لوفاة الحسن عليهالسلام في ٥١ : ١٧٤. وقال اليعقوبي ٢ : ٢٣٨ : لم يحج إلّا في سنة (٤٤ و ٥٠ ه) واعتمر في (٥٦ ه).