أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٣٥
ذكـر ما يتعلّق بالإمام الشهيد المعصوم ذي المفاخر والمآثر أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر صلوات اللّه وسلامه عليه .
قد صرّح الأكثر بأنّه عليهالسلام ولد في المدينة في يوم الجمعة في شهر رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة ، قبل أن يُقتل جدّه الحسين عليهالسلام بثلاث سنين(١).
واُمّه فاطمة بنت الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، ويقال لها : اُمّ عبد اللّه ، واُمّ الحسن(٢).
وهو هاشميّ من(٣) هاشميّين ، علويّ من(٤) علويّين ، جدّاه الحسن والحسين عليهماالسلام .
وكان أبوه يسمّي اُمّه الصدّيقة ، ولم يكن في آل الحسن عليهالسلام امرأة مثلها(٥) .
____________________
(١) مسارّ الشيعة للمفيد (ضمن مجموعة نفيسة) : ٥٨ ، إعلام الورى ١ : ٤٩٨ ، دلائل الإمامة : ٢١٥ ، الدرّ النظيم : ٦٠٣ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ٢١١ .
وهناك قول آخر في مولده عليهالسلام ، وهو أنّه ولد في يوم الثلاثاء الثالث من صفر .
انظر : كشف الغمّة ٢ : ١١٧، روضة الواعظين : ٢٠٧ ، مطالب السؤول : ٢٧٧ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٧٤ / ٥٦٠ .
(٢) الكافي ١ : ٣٩٠ باب مولد أبي جعفر عليهالسلام ، تاريخ الأئمّة لابن أبي ثلج البغدادي (ضمن مجموعة نفيسة) : ٢١ ، الهداية الكبرى : ٢٣٨ ، تاج المواليد (ضمن مجموعة نفيسة) : ٩١ ، كشف الغمّة ٢ : ١١٧ ، إعلام الورى ١ : ٤٩٨ ، روضة الواعظين : ٢٠٧ ، المناقب والمثالب للقاضي النعمان : ٣٢٧ ، مطالب السؤول : ٢٧٧ .
(٣و٤) في «م» و«ن» : «بين» بدل «من» .
(٥) دلائل الإمامة : ٢١٧ ، إثبات الوصية : ١٥٠ ، الدرّ النظيم : ٦٠٣ .
وقد روي أنّها كانت عند جدار ، فتصدّع الجدار ، فقالت بيدها : لا وحقّ المُصطفى ، ما أذن اللّه لك في السقوط علَيَّ ، فوقف معلّقاً حتّى جازت ، فتصدّق عنها عليّ بن الحسين عليهماالسلام بمائة دينار(١) .
وكانت كنيته أبا جعفر ، ولقبه الأشهر : الباقر ؛ لما سيأتي ، ثمّ الشاكر ، والهادي ، والأمين ، ويدعى بالشبيه أيضاً ؛ لأنّه كان يشبه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله (٢) .
وقُبض عليهالسلام في شهر ربيع الآخر ، سنة أربعَ عشرةَ ومائة ، وله سبع وخمسون سنة(٣) ، سمّه إبراهيم بن الوليد(٤) بعد أن أراد ذلك هشام بن عبد الملك ، فلم يتمكّن منه ، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة وشهرين ، ودُفن بالبقيع مع أبيه وعمّ أبيه .
وقال ابن الأثير في جامع الأُصول : إنّ الباقر عليهالسلام ولد سنة ستّ وخمسين ، ثمّ قال : سُمّي الباقر؛ لأنّه تبقّر في العلم ، أي : توسّع فيه(٥).
وقال ابن أبي الحديد في شرحه : كان محمّد بن عليّ الباقر سيّد
____________________
(١) الكافي ١ : ٣٩٠ / ١ (باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهالسلام )، إثبات الوصيّة للمسعودي : ١٥٠ ، الهداية الكبرى : ٢٤١ ، دلائل الإمامة : ٢١٨، دعوات الراوندي : ٦٨ / ١٦٥ ، الدرّ النظيم : ٦٠٣ .
(٢) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٧ ، دلائل الإمامة : ٢١٦ .
(٣) الاعتقادات للصدوق (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ج ٥) : ٩٨ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٨ ، دلائل الإمامة : ٢١٦ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ٢٢١ .
(٤) إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المروانيّ الاُمويّ ، يكنّى أبا إسحاق ، كان مقيماً في دمشق ، ولمّا مات أخوه يزيد بن الوليد قام بعده بالأمر سنة ١٢٦ ، وهلك سنة ١٣٢ هـ.
انظر : سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٧٦ / ١٧١ ، تاريخ الإسلام ( حوادث ١٢١ ـ ١٤٠ ) : ٣٧٠ ، الأعلام للزركلي ١ : ٧٨ .
(٥) جامع الاُصول ١٥ : ٢٧٧ .
فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناسُ الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، لقّبه به رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ولم يُخلق بَعْدُ ، وبشّر به ، ووعد جابر بن عبد اللّه برؤيته ، وقال : «ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فأبلغه عنّي السلام» ، فعاش جابر حتّى رآه ، وقال له ما وصّى به ، ثمّ قال : وكان ينهى الجاريةَ والغلام أن يقولا (للمسلمين إذا سألوا)(١) : ياسائل(٢) ، انتهى.
وقال اليافعي الشافعي : قال عبد اللّه بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند محمّد بن عليّ ، ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه ، كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه(٣) .
وقال ابن خلّكان(٤) : كان الباقر عليهالسلام عالماً سيّداً كبيراً ، وإنّما قيل له : الباقر ؛ لأنّه تبقّر في العلم ، أي : توسّع ، التبقّر : التوسُّع(٥) .
وقال ابن حجر في صواعقه : وارث زين العابدين من أولاده علماً وعبادةً وزهادةً : أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر ، سمّي بذلك ؛ من بقر الأرض ، أي : شقّها ، وأثار مخبيّاتها ومكامنها ، فكذلك هو أظهر من
____________________
(١) بدل ما بين القوسين في المصدر : للمسكين .
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ : ٢٧٧ .
(٣) مرآة الجنان ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، مناقب آل آبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٠ ، كشف الغمّة ٢ : ١١٧ ، روضة الواعظين : ٢٠٣ ، حلية الأولياء ٣ : ١٨٦ ، الدرّ النظيم : ٦٠٧ .
(٤) هو أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر ، يكنّى أبا العباس ، المعروف بابن خلّكان ، المؤرّخ الحجّة ، والأديب الماهر ، وولي قضاء الشام ثمّ عُزل بعد عشر سنين ، صنّف كتاب وفيات الأعيان .
توفّي سنة ٦٨١ هـ .
انظر : فوات الوفيات ١ : ١١٠ ، ومرآة الجنان ٤ : ١٤٥ ، والأعلام ١ : ٢٢٠ .
(٥) وفيات الأعيان ٤ : ١٧٤ / ٥٦٠ ، وانظر : المحكم والمحيط ٦ : ٣٩٥ ، كتاب العين ٥ : ١٥٨ ، لسان العرب ٤ : ٧٤ ، مادة ـ بقر ـ .
مخبيّات كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحِكَم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة .
قال : ومن ثَمَّ قيل فيه : باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ورافعه ، صفا قلبه وزكا علمه ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه ، وله من الرسوخ(١) في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة .
قال : وكفاه شرفاً أنّ ابن المدائنيّ روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يسلّم عليك ، فقيل له : وكيف ذلك؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال : «ياجابر ، يولد له ولد اسمه محمّد ، فإن أدركته ياجابر فاقرأه منّي(٢) السلام» .
قال : وتوفّي مسموماً كأبيه ، وهو علويّ من أبيه واُمّه(٣) ، انتهى .
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار : قال محمّد بن عليّ الباقر : «إنّ الحقّ استصرخني وقد حواه الباطل في جوفه ، فتبقّرت عن خاصرته واطلعت الحقّ عن حجبه حتّى ظهر وانتشر بعد ما خفي واستتر»(٤) .
وقال الذهبي في كتاب تاريخ الإسلام : محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشميّ العلويّ ، أبو جعفر الباقر ، سيّد بني هاشم في زمانه ، روى عن أبيه ، وعن جدَّيه الحسن والحسين ، وعن جابر ، وعن جمع من الصحابة والأزواج .
____________________
(١) في المصدر : «الرسوم» بدل «الرسوخ» .
(٢) في «ن» و«م» : «عنّي» .
(٣) الصواعق المحرقة : ٣٠٤ .
(٤) ربيع الأبرار ٢ : ٦٠٣ .
وروى عنه ابنه جعفر الصادق ، وعمرو بن دينار ، والأعمش ، وربيعة الرأي ، والأوزاعي ، وابن جريج ، وقرّة بن خالد (إمّا بالقاف أو الميم)(١) ، وحرب بن شريح (إمّا بالباء أو الثاء)(٢) ، وطائفة كثيرة من التابعين والمتكلّمين وأرباب الحديث .
قال : وروى النسائي في سننه عنه ، عن الحسن ، وعن عائشة . قال : وكان هو أحد مَن جَمعَ العلمَ ، والفِقه ، والشرفَ ، والديانة ، والثقة ، والسؤدد ، وكان يصلح للخلافة ، وهو أحد الاثنَيْ عشر ، الذين تعتقد الرافضة عِصْمَتَهُم .
قال : ولكن لا عصمة إلاّ لنبيٍّ .
قال : وأمّا قولهم له : الباقر ، فهو من بقر العلم ، أي شقّه ، فعرف أصله وخفيّه .
قال : وقد عدّه النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة .
قال : وروي أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعةً ، وأنّه كان يبكي ويتضرّع إلى اللّه ويذكر ذنوبه ، ثمّ ذكر مولده في سنة ستّ وخمسين ، ووفاته في سنة أربع عشرة ومائة على قول ، وسنة سبع عشرة ومائة على آخَر(٣) . انتهى كلامه .
وقد روى جمع من المخالف والمؤالف حكاية جابر الأنصاري معه ، ونحن نذكر ما روي عن الصادق عليهالسلام ، قال : «إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان آخر مَنْ بقي من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وكان رجلاً منقطعاً إلينا
____________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .
(٢) ما بين القوسين لم يرد في «ل» و«س» و«ن» .
(٣) تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٤٦٢ / ٥٤٩ .
أهل البيت ، فكان يقعُد في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وهو معتجر بعمامةٍ سوداء ، وكان ينادي يا باقر العلوم ، يا باقر العلوم ، فكان أهلُ المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لا واللّه ما أهجر ولكنّي سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يقول : (إنّك ستدرك رجلاً منّي )(١) اسمه اسمي وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً ، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول ، قال : فبينا جابر يتردّد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مرّ بطريق ـ في ذلك الطريق كُتّاب ـ فيه محمّد بن عليّ عليهماالسلام ، فلمّا نظر إليه قال : يا غلام ، أقبل ، فأقبل ، ثمّ قال له : أدبر ، فأدبر ، ثمّ قال : شمائل رسول اللّه صلىاللهعليهوآله والذي نفسي بيده ، ياغلام ، ما اسمك؟ قال : اسمي محمّد بن عليّ بن الحسين ، فأقبل عليه يقبّل رأسه ويقول : بأبي أنت وأُمّي ، أبوك رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يُقرِئُك السلام (ويقول لك ذلك)(٢)(٣) ، قال : فرجع محمّد بن عليّ عليهماالسلام إلى أبيه عليهالسلام وهو ذعر ، فأخبره الخبر ، فقال له : يا بنيّ ، وقد فعلها جابر؟ قال : نعم ، قال : الزم بيتك يا بنيّ ، فكان جابر يأتيه طرفي النهار ، وكان أهلُ المدينة يقولون : واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وهو آخر مَنْ بقي من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فلم يَلْبَث أن مضى عليّ بن الحسين عليهالسلام ، فكان محمّد بن عليّ يأتي جابراً على وجه الكرامة لصحبته لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله » .
قال : «فجلس أبو جعفر عليهالسلام يحدّثهم عن اللّه تعالى ، فقال أهل المدينة : ما رأينا أحداً أجرأ من هذا ! فلمّا رأى ما يقولون ، حدّثهم عن
____________________
(١) بدل ما بين القوسين في «م» هكذا : «ستدرك من ولدي مَن» .
(٢) بدل ما بين القوسين في الكافي : (ويقول ذلك) ، وفي الاختصاص : (ويقول لك) . وهنا حاشية من المؤلّف ، وهي : «أي : جابر يقول لك ذلك مكرّراً ، ويقول رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لك ذلك الكلام ، أي : بقر العلم» . منه قدسسره .
(٣) في «م» زيادة : «إنّه يبقر العلم بقراً» .
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فقال أهل المدينة : ما رأينا أحداً قطّ أكذب من هذا ، يحدّثنا عمّن لم يره ! فلمّا رأى ما يقولون ، حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه ، قال : فصدّقوه . وكان جابر يأتيه فيتعلّم منه»(١) .
وفي رواية : «إنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام جاء بابنه محمّد إلى جابر ، فقال له : سلِّم على عمّك جابر ، فأخذه جابر فقبّل بين عينيه ، وضمّه إلى صدره ، وقال : هكذا أوصاني رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فقال : ياجابر ، يولد لعليّ بن الحسين زين العابدين ولد يقال له : محمّد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا رأيته فاقرأه منّي السلام»(٢) الخبر .
وسيأتي بعض أخبار جابر في الفصل الحادي عشر .
وقد روي أيضاً : أنّ جابراً توجّع ، فأتاه الباقر عليهالسلام عائداً له ، فسأله عن حاله ـ إلى أن قال ـ : فقال جابر : الموت أحبّ إلَيَّ من الحياة ، والمرض أحبّ إلَيَّ من الصحّة ، والفقر أحبّ إلَيَّ من الغنى ، فقال الباقر عليهالسلام : «أمّا أنا فمهما أراد اللّه لي الحياة فالحياة أحبّ إلَيَّ من الموت ، وإذا أراد اللّه لي الموت فالموت أحبّ إلَيَّ من الحياة » ، وهكذا قال في البقيّة ، فقال جابر : صدقتَ أنت وصدق رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فإنّه قال لي : «ستدرك رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً»(٣) الخبر .
وقد روي حكاية جابر من طرق عديدة ، ويظهر منها : أنّ جابراً كان قد أخبر في مواطن كثيرة بما سمع من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فافهم .
____________________
(١) الكافي ١ : ٣٩٠ / ٢ (باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ) ، الاختصاص للمفيد : ٦٢ ـ ٦٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧٩ / ١٢ .
(٢) دلائل الإمامة : ٢١٨ / ١٣٧ ، الدرّ النظيم : ٦٠٤ .
(٣) أوصاف الأشراف : ١٠٤ ، مسكّن الفؤاد : ٨٢ .
وروى الحسن بن معاذ الرضوي ، قال : حدّثنا لوط بن يحيى الأزدي(١) ، عن عمارة بن زيد الواقدي ، قال : حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنةً من السنين ، وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن عليّ الباقر وابنه جعفر بن محمّد عليهماالسلام .
فقال جعفر [ بن محمّد عليهماالسلام ](٢) : «الحمد للّه الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ، وأكرمنا به ، فنحن صفوة اللّه على خلقه ، وخيرته من عباده ، فالسعيد من اتّبعنا ، والشقيّ من عادانا وخالفنا» .
وكان مَسْلَمَة(٣) يسمع ذلك .
قال أبو عبد اللّه عليهالسلام : «فأخبر مَسْلمة أخاه بما سمع ، فلم يتعرّض لنا حتّى أتى دمشق ، وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ هشام إلى عامله بالمدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه ، فأشخصنا ، فلمّا وصلنا(٤) دمشق حجبنا
____________________
(١) هو لوط بن يحيى ، يكنّى أبا مخنف ، من أصحاب الحسن والحسين عليهماالسلام ، له كتب كثيرة منها : كتاب مقتل الحسين عليهالسلام ، وأخبار المختار بن أبي عبيد ، ومقتل محمّد بن أبي بكر ، وغيرها .
انظر : الفهرست للطوسي : ٢٠٤ / ٥٨٤ ، رجال النجاشي : ٣٢٠ / ٨٧٥ ، ورجال ابن داود : ١٥٧ / ١٢٥١ ، معالم العلماء : ٩٣ / ٦٤٩ ، الخلاصة : ٢٣٣ / ٧٩٧ ، المعارف لابن قتيبة : ٥٣٧ ، الفهرست لابن النديم : ١٠٥ .
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .
(٣) هو مَسْلَمة بن عبد الملك بن مروان ، يكنّى أبا سعيد ، وأبا الأصبغ ، يلقّب بالجرادة الصفراء ، وهو الذي غزا القسطنطينية ، وولاّه أخوه ـ يزيد ـ إمرة العراقين ثمّ أرمينية .
هلك سنة ١٢٠ هـ .
انظر : تهذيب الكمال ٢٧ : ٥٦٢ / ٥٩٥٦ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٤١ / ١٠٣ ، تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٤٦٨ / ٥٦٠ ، الأعلام ٧ : ٢٢٤ .
(٤) في «م» و«ن» و«س» : «دخلنا» . وما أثبتناه من «ل» والمصدر .
ثلاثاً ، ثمّ أذن لنا في اليوم الرابع ، فدخلنا ، وقد نصب حذاءه برجاساً(١) ، وأشياخ قومه يرمون ، فلمّا دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فلمّا حاذيناه نادى أبي : يا محمّد ، ارمِ مع أشياخ قومك [ الغرض ](٢) ، فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي ، فإن رأيت أن تعفيني .
فقال : وحقّ مَن أعزّنا بدينه ونبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله لا أعفيك ، ثمّ أومأ إلى شيخ من بني اُميّة أن أعطه قوسك ، فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ، ثمّ تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس ثمّ رمى وسط الغرض ، ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فوق سهمه إلى نصله ، ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعضٍ ، وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال : أجدتَ يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، وزعمت أنّك قد كبرتَ عن الرمي ، ثمّ أدركته ندامة على ما قال [...] فأطرق إطراقةً يتروّى فيه وإنّي وأبي واقف بحذائه مواجهاً له ، وأنا وراء أبي ، فلمّا طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهمّ به ، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان ، فلمّا نظر هِشام إلى ذلك من أبي قال له : إلَيَّ يا محمّد ، فصعد أبي على السرير وأنا أتبعه ، فلمّا دنا من هِشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمّ اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ثمّ أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يا محمّد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، للّه دَرّك ، مَنْ علّمك هذا الرمي؟ وفي كَمْ تعلّمته ؟ أيرمي جعفر مثل رميك ؟ قال : إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام .
____________________
(١) البرجاس : غَرَض في الهواء يُرمى فيه .
انظر : مختار الصحاح : ٤٦ ، لسان العرب ٦ : ٢٦ ، تاج العروس ٤ : ١٠٧ .
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .
قال : فلمّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولّت واحمرّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثمّ أطرق هنيئةً ، ثمّ رفع رأسه ، فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي : نحن كذلك ، ولكنّ اللّه اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه بما لم يخصّ به أحداً غيرنا .
فقال هِشام : أليس اللّه بعث محمّداً من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّةً أبيضها وأسودها وأحمرها ، من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول اللّه مبعوث إلى الناس كافّةً ، وذلك قول اللّه تعالى : (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(١) الآية ، فمن أين وَرثتم هذا العلم وليس بعد محمّد نبيّ ، ولا أنتم أنبياء ؟
فقال له أبي : من قوله تعالى لنبيّه : (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(٢) فالذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا ، أمره اللّه تعالى أن يخصّنا به من دون غيرنا ؛ فلذلك كان يُناجي أخاه عليّاً من دون أصحابه ، وأنزل اللّه بذلك قرآناً في قوله : (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(٣) فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لأصحابه : سألتُ اللّهَ أن يجعلها اُذنك يا عليّ ؛ فلذلك قال عليّ عليهالسلام : علّمني رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ألفَ بابٍ من العلم يُفتح من كلّ باب ألف باب ، خصّه به النبيّ صلىاللهعليهوآله من مكنون سرّه كما خصّه اللّه نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وعلّمه ما لم يخصّ به أحداً من قومه حتّى صار إلينا ، فتوارثناه من دون أهلنا .
فقال هشام : إنّ عليّاً كان يدري علم الغيب واللّه لم يُطْلِع على غيبه
____________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٨٠ ، سورة الحديد ٥٧ : ١٠ .
(٢) سورة القيامة ٧٥ : ١٦ .
(٣) سورة الحاقّة ٦٩ : ١٢ .
أحداً فمن أين ادّعى ذلك؟
فقال أبي : إنّ اللّه عزّوجلّ أنزل على نبيّه صلىاللهعليهوآله كتاباً بيّن فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، في قوله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَبَ تِبْيناً لِكُلِّ شَىْءٍ)(١) وفي قوله تعالى : (وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ)(٢) وفي قوله تعالى : (مَا فَرَّطْنَا فِى الكِتَـبِ مِنْ شَىْءٍ)(٣) وفي قوله تعالى : (وَمَا مِن غَائِبَةٍ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِى كِتَـبٍ مُبِينٍ)(٤) وأوحى اللّه إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله أن لا يبقي في عيبة سرّه ومكنون علمه شيئاً إلاّ يناجي به عليّاً ، فأمره أن يؤلّف القرآن من بعده ، ويتولّى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : حرام على أصحابي وقومي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي عليّ(٥) فإنّه منّي وأنا منه ، له ما لي وعليه ما علَيَّ ، وهو قاضي دَيني ومنجز موعدتي .
ثمّ قال لأصحابه : عليّ بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله . ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلاّ عند عليٍّ عليهالسلام ، ولذلك قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : أقضاكم عليٌّ ، أي هو قاضيكم ، وقال عمر بن الخطّاب : لولا عليٌّ لهلك عُمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره . فأطرق هشام طويلاً ، ثمّ رفع رأسه وقال : سل حاجتك ، فقال : خلّفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي ، فقال : قد آنس اللّه وحشتهم برجوعك إليهم فلا تُقِم وسر من يومك ، فاعتنقه أبي ودعا له وودّعه ، وفعلتُ أنا كفعل
____________________
(١) سورة النحل ١٦ : ٨٩ .
(٢) سورة يس ٣٦ : ١٢ .
(٣) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .
(٤) سورة النمل ٢٧ : ٧٥ .
(٥) في «م» و«ن» : «عليّ بن أبي طالب» .
أبي ، ونهضنا وخرجنا وانصرفنا إلى المنزل الذي كنّا فيه ، فوافانا رسوله بالجائزة وأمرنا بالانصراف إلى المدينة من ساعتنا ، وكتب إلى عامل المدينة أن يحتال في سمّ أبي في طعامٍ أو شرابٍ ، فمضى هشام ولم يتهيّأ له في أبي من ذلك شيء»(١) .
وفي رواية القطب الراونديّ ، وغيره ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : «إنّ عبد الملك بن مروان أرسل إلى عامله بالمدينة أن ابعث إلَيَّ محمّد بن عليّ مقيّداً ، فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب عبد الملك : ليس كتابي هذا خلافاً عليك ولا ردّاً لأمرك ، ولكن رأيت أن اُراجعك في الكتاب نصيحةً وشفقةً عليك ، فإنّ الرجل الذي أردته ليس على وجه الأرض اليوم أعفّ منه ، ولا أزهد ، ولا أورع منه ، وإنّه ليقرأ في محرابه ، فيجتمع الطير والسباع إليه تعجّباً لصوته ، وإنّ قراءته لتشبه مزامير آل داود ، وإنّه لمن أعلم الناس ، وأرأف الناس ، وأشدّ الناس اجتهاداً وعبادةً ، فكرهت لأمير المؤمنين التعرّض له ، فإنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم .
فلمّا ورد الكتاب إلى عبد الملك سُرّ بما أنهى إليه الوالي ، وعلم أنّه نصحه»(٢) ، الخبر.
وروى جمع ، منهم : الصفّار بإسناده عن الحسين بن أبي العلاء ، عن الصادق عليهالسلام ، (ومنهم : الحسين بن محمّد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى
____________________
(١) دلائل الإمامة : ٢٣٣ / ١٦٢ ، الدرّ النظيم : ٦٠٤ ، الأمان من أخطار الأسفار والأزمان لابن طاووس : ٦٦ ، نوادر المعجزات للطبري : ١٢٧ / ١ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٠٦ / ١ ، و٧٢ : ١٨١ / ٩ .
(٢) الخرائج والجرائح ٢ : ٦٠٠ / ١١ ، الثاقب في المناقب : ٣٨٨ / ٣١٩ ، الدرّ النظيم : ٦٠٧ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٢٩ / ١٢ .
بإسناديهما عن ابن أبي يعفور)(١) .
قال : «إنّ عمر بن عبد العزيز أرسل إلى ابن حزم(٢) أنّه يرسل إليه بكتاب(٣) صدقةِ عليٍّ ، وعمرَ ، وعثمانَ ، فأرسل ابن حزم إلى زيد بن الحسن(٤) ، وكان أكبرهم سنّاً ، فسأله كتابَ(٥) صدقةِ عليٍّ عليهالسلام ، فقال زيد : إنّ الواليَ بعد عليٍّ كان الحسن ، وبعد الحسن الحسين ، وبعد الحسين عليّ ابن الحسين ، وبعد عليّ بن الحسين محمّد بن عليّ ، فَابعَث إليه ، فبعث ابنُ حزم إلى أبي ، فأرسلني أبي بالكتاب إليه حتّى دفعته إلى ابن حزم ، فقال له بعضنا : يَعرفُ هذا وُلْد الحسن ؟ قال : نعم ، كما يعرفون أنّ هذا لَيْلٌ ولكنّهم يَحملهم الحسد ، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم ،
____________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في «م» .
(٢) هو محمّد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، يكنّى أبا القاسم ، وأبا عبد الملك ، وأبا سليمان ، وأبوه عامل النبيّ صلىاللهعليهوآله على نجران . من فقهاء المذهب الظاهري ، قليل الحديث . روى عن أبيه وغيره من الصحابة . وروى عنه جماعة من أهل المدينة .
ولد في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله سنة ١٠ بنجران ، وقُتل يوم الحرّة بالمدينة سنة ٦٣ هـ .
انظر : الطبقات لابن سعد ٥ : ٦٩ ، الاستيعاب ٣ : ١٣٧٤ / ٢٣٣٩ ، جامع الاُصول ١٥ : ١٧٦ ، اُسد الغابة ٤ : ٣٣٠ / ٤٧٥١ ، تهذيب الكمال ٢٦ : ٢٠١ / ٥٥٠٧ .
(٣) كلمة «بكتاب» لم ترد في المصدر .
(٤) هو زيد بن الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين عليهماالسلام ، يكنّى أبا الحسين ، كان يتولّى صدقات رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وتخلّف عن عمّه الحسين فلم يخرج معه إلى العراق ، وبايع بعد قتل عمّه الحسين عليهالسلام عبد اللّه بن الزبير ، لأنّ اُخته كانت تحته ، فلمّا قُتل عبد اللّه أخذ زيد بيد اُخته ورجع إلى المدينة ، كان جليل القدر ، كريم الطبع .
توفّي سنة ١٢٠ هـ بين مكّة والمدينة .
انظر : عمدة الطالب : ٦٩ ، الإرشاد للمفيد ٢ : ٢٠ ـ ٢٢ ، تهذيب التهذيب ٣ : ٣٥٠ / ٧٤٣ .
(٥) كلمة «كتاب» لم ترد في المصدر .
ولكنّهم يطلبون الدنيا»(١) .
وفي روايات عديدة عن الباقر عليهالسلام ، وعن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : «إنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام لمّا حضرته الوفاةُ أخرج سَفطاً أو صُندوقاً كان عنده ، وولده مجتمعون عنده ، فالتفت إلى محمّد بن عليّ فقال : يا بنيّ احمل هذا الصُّندوق إلى بيتك ، فحمله بين أربعة ، فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون في الصُّندوق ، فقالوا : أعطنا نصيبنا من الصُّندوق ، فقال : واللّه ما لكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلَيَّ ، وكان فيه سلاح رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وكتبه»(٢) .
وفي رواية عمر : «أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءاً علماً»(٣) .
وروى جابر الجعفي قال : كنّا جماعة دخلنا على أبي جعفر عليهالسلامبعد ما قضينا مناسكنا فودّعناه وقلنا له : أوصنا بشيء يابن رسول اللّه ، فقال : «ليعن قويّكم ضعيفكم ، وليعطف غنيّكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته ، واكتموا أسرارنا ، ولا تحملوا الناس على أعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه عليكم الأمر فقفوا عنده وردّوه إلينا ، حتّى نشرح
____________________
(١) الكافي ١ : ٢٤٣ / ٣ (باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر عليهالسلام) ، إعلام الورى ١ : ٥٠١ ، مرآة العقول ٣ : ٣٢٣ / ٣ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٣٠ / ٦ ، نقلاً عن إعلام الورى بتفاوتٍ في السند .
(٢) بصائر الدرجات : ٢٠٠ / ١٨ و٢٠١ / ٢٤ ، الكافي ١ : ٢٤٢ / ١ (باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر عليهالسلام) ، إعلام الورى ١ : ٥٠٠ ، مرآة العقول ٣ : ٣٢٢ / ١ .
(٣) بصائر الدرجات : ١٨٥ / ١٣ ، الكافي ١ : ٢٤٣ / ٢ (باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر عليهالسلام) ، إعلام الورى ١ : ٥٠٠ .
لكم من ذلك ما شُرح لنا ، وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره ، فمن مات منكم ميّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً»(١) الخبر .
وقد كان جابر لمّا يروي عنه حديثاً يقول : حدّثني وصيّ الأوصياء وباقر علوم الأنبياء محمّد بن عليّ . وفي رواية : ووارث علم الأنبياء(٢) .
وقال جابر : حدّثني أبو جعفرعليهالسلامخمسين ألف حديث(٣) .
وقال : « ... إن حدّثت به الناس فعليك لعنتي ولعنة آبائي ...»(٤) .
وروى الحسن(٥) بن كثير قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهالسلامالحاجةَ وجفاءَ الإخوان ، فقال : «بئس الأخ أخٌ يرعاك غنيّاً ويقطعُك فقيراً» ثمّ أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم ، فقال : «استنفِق هذه فإذا نَفِدت فأعلمني به»(٦) .
وقال عبد اللّه بن عطاء : اشتقتُ إلى الباقر عليهالسلاموأنا بمكّة فقدمتُ المدينة شوقاً إلى لقائه ، فأصابني تلك الليلة مطر وبَردٌ شديد ، فانتهيتُ إلى بابه عليهالسلام نصف الليل ، فقلتُ : أطرقه هذه الساعة أو أنتظر حتّى الصبح ، فإنّي لاُفكّر في ذلك إذ سمعته يقول : «يا جارية ، افتحي الباب لابن عطاء
____________________
(١) الأمالي للطوسي : ٢٣١ / ٤١٠ ، بشارة المصطفى: ١٨٣ / ١ ، بحار الأنوار ٥٢ : ١٢٢ / ٥ .
(٢) رجال الكشّي ٢٦٥ / ٣٣٧ ، الإرشاد للمفيد ٢ : ١٦٠ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ١٩٦ ، روضة الواعظين : ٢٠٣ ، إعلام الورى ١ : ٥٠٧ ، كشف الغمّة ٢ : ١٢٥ .
(٣) رجال الكشي : ٢٦٦ / ٣٤٢ .
(٤) رجال الكشي : ٢٦٥ / ٣٣٩ .
(٥) في النسخ : الحسين ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه .
(٦) شرح الأخبار ٣ : ٢٨٣ / ١١٩٤ ، الإرشاد للمفيد ٢ : ١٦٦ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٤ ، كشف الغمّة ٢ : ١٢٧ .
فقد أصابه برد في هذه الليلة» ففتحت الباب ودخلتُ(١) .
أقول : الأخبار في وفور علمه وغزارة معارفه فوق الحدّ والإحصاء ، من أرادها فليرجع إلى كتب أخبار الشيعة ، وقد ذكرنا في فصل العلم وغيره نبذاً قليلاً من وجوه علمه ، وصلاحه ، وزهده ، ومعجزاته ، وكراماته ، وسنذكر في فصل الوصيّة نبذاً أيضاً ممّا يدلّ على كونه إماماً ووصيّاً لأبيه عليهالسلام ، ويأتي في غيره أيضاً لاسيّما في الفصل الحادي عشر أخبارُ إمامته ، وهذا كلّه يكفي غاية الكفاية لمن أراد التبصّر ، ومن أراد زيادة الاستبصار فعليه بمراجعة كتب الأخبار وسائر منقولات الأخيار ، ونحن لا يسعنا فيه ، وكذا في سائر الأئمّة في مثل هذا الكتاب إلاّ الاختصار ، واللّه الهادي .
____________________
(١) بصائر الدرجات : ٢٧٢ / ٧ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٠٤ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٩٤ / ٣ ، كشف الغمّة ٢ : ١٣٩ ، وفيها بتفاوت يسير .