تنقيح المقال - ج ٢٦

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محيي الدين المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-492-2
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٤١١

١
٢

٣

٤

[باب خليل]

٥
٦

باب خليل

[الضبط :]

[خليل :] بفتح الخاء المعجمة ، وكسر اللام ، وسكون الياء المثنّاة من تحت ، بعدها لام (١).

__________________

(١) لاحظ : المؤتلف للدارقطني ٨٨٥/٢ ـ ٨٨٨ ، الإكمال لابن ماكولا ١٧٣/٣ ـ ١٧٩ ، توضيح المشتبه لابن ناصر الدين ٤٤٤/٣ ، وقد استعمل بالألف واللام وعاريا منها.

[٧٦٩٥]

١٤٥ ـ خليل بن أحمد الزيّات

جاء في الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي : ٦٣ الباب الأول برقم ١٧ ، بسنده : .. عن حامد بن يزيد ، عن خليل بن أحمد الزيات ، عن صندل ، عن داود بن فرزدق ، عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام ..

حصيلة البحث

المعنون مهمل.

٧

[٧٦٩٦]

٢٧٨ ـ خليل بن أحمد بن عمرو بن تميم

الفراهيدي الأزدي اليحمدي

الأديب النحوي العروضي (*)

الضبط :

الفراهيدي : بالفاء المفتوحة ، والراء المهملة ، والألف ، والهاء ، والياء المثنّاة

__________________

مصادر الترجمة

الخلاصة للعلاّمة : ٦٧ برقم ١٠ ، رجال ابن داود القسم الأوّل : ١٤١ برقم ٥٦٤ ، وسائل الشيعة ١٨٧/٢٠ برقم ٤٤٤ ، روضات الجنّات ٣٠٠/٣ برقم ٢٩٤ ، جامع الرواة ٢٩٨/١ ، مجمع الرجال ٢٧٣/٢ ، ملخّص المقال في قسم الحسان ، إتقان المقال : ١٨٨ ، رجال شيخنا الحرّ المخطوط : ٢٣ من نسختنا ، الوسيط المخطوط باب الخاء ، أمالي الشيخ الصدوق ٥٤٤/١ ، أمالي شيخنا الطوسي ٢٢١/٢ ، تعليقة الوحيد المطبوعة على هامش منهج المقال : ١٣٣ ، مستطرفات السرائر آخر الكتاب ، مجمع البيان ١١٧/٧ ، الرواشح السماوية : ٢٠٣. وانظر أيضا : أمل الآمل ٤٧٥/٢.

ولاحظ من مجاميع العامة :

البداية والنهاية ١٦١/١٠ ، وتهذيب التهذيب ١٦٣/٣ برقم ٣١٢ ، وإنباه الرواة على أنباه النحاة ٣٤١/١ ، وتاريخ ابن كثير ١٦١/١ ، وتقريب التهذيب ٢٢٨/١ برقم ١٥٩ ، وطبقات الزبيدي : ٢٢ ، وطبقات القراء لابن الجوزي ٢٧٥/١ ، وفهرست ابن النديم : ٤٨ الفن الأول من المقالة الثانية ، وكشف الظنون ١٤٤١/٢ ، واللباب ١٧/٢ ، ومرآة الجنان ٢٦٢/١ في وفيات سنة ١٧٠ ، والمزهر ٤٠١/٢ ، وسير أعلام النبلاء ٣٨٠/٣ برقم ١٧٣٤ ، والعبر ٢٦٨/١ في حوادث سنة ١٧٥ ، وشذرات الذهب ٢٧٥/١ في حوادث سنة ١٧٠ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١٧٧/١ برقم ١٤٩ ، وذيل الكاشف للعراقي : ٩٤ برقم ٣٩٤ ، والتاريخ الكبير ٩٩/٣ برقم ٦٨١ ، وبغية الوعاة : ٢٤٣ ، والمعارف لابن قتيبة : ٥٤١ ، والكامل للمبرد ٢٤١/١ ، ومعجم الأدباء ٧٢/١١ برقم ٧ ، ونور القبس : ١٦ ، وتاريخ الكامل لابن الأثير ٥٠/٦ في حوادث سنة ١٦٠ ، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال : ١٠٦ ، وتاريخ أبي الفداء ٨/٢ في حوادث سنة ١٦٠ ، وعيون الأخبار لابن قتيبة راجع فهرسته.

٨

من تحت ، والدال المهملة ، والياء ، نسبة إلى فرهود (١) ، أبي بطن من يحمد ، والنسبة إليه : فرهودي وفراهيدي ، والثاني هو المشهور والأكثر استعمالا في النسبة (٢).

__________________

(١) في معجم الأدباء ٧٢/١١ ـ ٧٣ برقم ١٧ ، قال : الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم أبو عبد الرحمن الفراهيدي ، ويقال : الفرهودي نسبة إلى فراهيد بن مالك بن نهم بن عبد اللّه بن مالك بن مضر الأزدي البصري ، سيد الأدباء في علمه وزهده.

وقال في الإكمال ١٧٣/٣ : والخليل بن أحمد البصري الفراهيدي ، ويقال : الفرهودي ، الإمام في علوم العربية ، وهو أول من هذب النحو وبسط الكلام فيه ، واستنبط علم العروض والقوافي ، روى عنه أبو بشر سيبويه وأبو الحسن الأخفش وحمّاد بن زيد وعلي بن نصر وعون بن عمارة والنضر بن شميل والليث بن المظفر ، وكان يكنى : أبا عبد الرحمن ، وله شعر ليس يقارب طبقته في العلوم.

(٢) أقول : قد اختلف في ضبط اللفظة تارة في أنّه بالدال ، واخرى في كونها الفاء أو ضمه ، قال ابن الأثير في اللباب ٤١٦/٢ ـ ٤١٧ : الفراهيذي : بفتح الفاء والراء وبعد الألف هاء مكسورة ، ثم ذال معجمة ، هذه النسبة إلى فراهيذ بطن من الأزد ، وهو فراهيذ ابن شبانة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد اللّه بن زهران.

وقال السمعاني في الأنساب ١٦٦/١٠ برقم ٣٠٠٣ : الفراهيدي : فراهيد بطن من الأزد.

ولم يصرّح بحركة الفاء ولكنها مضمومة في المطبوع من الأنساب ولعله من المصحح. والأظهر ـ بل الصحيح ـ أنّ الفرهودي ـ بضم الفاء ، والفراهيدي بفتح الفاء.

قال في تاج العروس ٤٥٢/٢ مادة (فرهد) : والفرهود بالضم ولد الوعل ، وفرهود أبو بطن من يحمد ، وهم بطن من الأزد ؛ منهم : إمام الصنعة الخليل بن أحمد بن أحمد العروضي ، وهو فرهودي ـ بالضم ـ ، هكذا كان يقوله يونس ، وفرهيدي كما هو المشهور والأكثر في الاستعمال. روي عن الأصمعي أنّه قال : سألت الخليل بن أحمد : ممّن هو؟ فقال : من أزد عمان من فراهيد. قلت : وما فراهيد؟ قال : جرو الأسد بلغة عمان. وقال الرشاطي : في الأزد الفراهيد بن شبابة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس. كذا لابن الكلبي. وقال ابن دريد : فرهود بن شبابة. وفي البغية : هو فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد. وانظر : القاموس المحيط ٣٢٣/١.

٩

وقد مرّ (١) ضبط الأزدي في ترجمة : إبراهيم بن إسحاق.

واليحمدي : نسبة إلى يحمد ، وزان يمنع ، أبو قبيلة من الأزد (٢).

والأديب والنحوي واضحان ، لتبحّره فيهما.

والعروضي : نسبة إلى علم العروض ، وليست هذه النسبة لمجرّد المهارة ، بل لكونه منشأ له ، فقد قيل : إنّه دعا بمكة أن يرزق علما لم يسبقه إليه أحد ، ولا يؤخذ إلاّ عنه ، فلما رجع من حجه ، فتح عليه بعلم العروض (٣).

وعن كتاب المرزباني (٤) ـ نقلا عن أحمد بن خيثمة ـ : كانت ولادته في سنة

__________________

(١) في صفحة : ٢٩٢ من المجلّد الثالث.

(٢) قال السمعاني في الأنساب ٤٨٤/١٣ برقم ٥٣٠٩ : اليحمدي بفتح الياء المنقوطة بنقطتين ، وسكون الحاء المهملة ، وفتح الميم ، وكسر الدال المهملة ، هذه النسبة إلى يحمد ، وظني أنّه بطن من الأزد.

وفي هامش تاج العروس ٤٥٢/٢ مادة (فرهد) : يحمد كيمنع وكيعلم مضارع أعلم أبو قبيلة ، كما في القاموس.

وذكر في التاج ٣٣٩/٢ مادة (حمد) : أنّ جمعه : اليحامد.

وفي القاموس المحيط ٢٨٩/١ مادة (حمد) : ويحمد كيمنع وكيعلم آتي ـ أي مضارع ـ أعلم أبو قبيلة ، ج : اليحامد.

(٣) كما قاله في إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي ٣٤٢/١ برقم ٢٣٥.

(٤) في سير أعلام النبلاء ٤٢٩/٧ برقم ١٦١ ، قال : وكان رحمه اللّه مفرط الذكاء ، ولد سنة مائة ، ومات سنة بضع وستين ومائة ، وقيل : بقي إلى سنة سبعين ومائة .. ، وقال في شذرات الذهب ١٧٥/١ في حوادث سنة ١٧٠ : وفيها مات إمام اللغة والعروض والنحو ، الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي ، وقيل : سنة ١٧٥ .. ، وفي تهذيب الأسماء واللغات ١٧٨/١ برقم ١٤٩ ، قال : توفي بالبصرة سنة ١٧٠ وهو ابن أربع وسبعين ، وفي تاريخ الكامل لابن الأثير ٥٠/٦ في حوادث سنة ١٦٠ ، فقال : وفيها توفي الخليل بن أحمد البصري الفرهودي النحوي ، الإمام المشهور في النحو ، استاذ سيبويه ، وقال في بغية الوعاة : ٢٤٥ : توفي الخليل سنة ١٧٥ ، وقيل : سنة ١٧٠ ،

١٠

مائة من الهجرة ، وتوفّي سنة سبعين ومائة ، أو خمس وسبعين ومائة ، وقيل : عاش أربعا وسبعين سنة.

وقال ابن قانع إنّه : توفي في سنة ستين ومائة.

وقال ابن الجوزي (١) : مات سنة ثلاثين ومائة. وهذا غلط قطعا.

وقال ابن النديم (٢) : توفي الخليل بالبصرة ، سنة سبعين ومائة ، وعمره أربع وسبعون سنة.

الترجمة :

قال في القسم الأوّل من الخلاصة (٣) : خليل بن أحمد ، كان أفضل الناس في الأدب ، وقوله حجّة فيه ، واخترع علم العروض ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وكان إماميّ المذهب. انتهى.

وقال ابن داود في القسم الأوّل من رجاله (٤) : الخليل بن أحمد ، شيخ الناس في علوم الأدب ، فضله وزهده أشهر من أن يخفى ، كان إماميّ المذهب. انتهى.

ويدلّ على كونه إمامي المذهب أنّه قيل له (٥) : ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال : ما أقول في حقّ امرئ ، كتمت مناقبه أولياؤه خوفا ،

__________________

وقيل : ستين. وله أربع وسبعون سنة ، ومثله في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : ١٠٦ ، وفي تاريخ أبي الفداء ٨/٢ في حوادث سنة ١٦٠ ، قال : وفيها توفي الخليل بن أحمد البصري النحوي استاذ سيبويه.

(١) نقل التاريخ المذكور في روضات الجنات ٣٠٠/٣ برقم ٢٩٤ عن ابن الجوزي.

(٢) ابن النديم في فهرسته : ٤٨ في الفن الأوّل من المقالة الثانية.

(٣) الخلاصة : ٦٧ برقم ١٠.

(٤) رجال ابن داود : ١٤١ برقم ٥٦٤.

(٥) كما أورده الخوانساري في روضات الجنات ٢٨٩/٣ ـ ٣٠١ برقم ٢٩٤.

١١

وأعداؤه حسدا ، ثم ظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين.

قلت : لعمري إنّه كلام يليق أن يكتب بالنور على خدود الحور.

وقيل له (١) أيضا : ما الدليل على أنّ عليّا عليه السلام إمام الكلّ في الكل؟ قال : احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكل.

ونقل المولى الوحيد رحمه اللّه في التعليقة (٢) عن كشف الغمة (٣) ، عن يونس النحوي ـ وكان عثمانيّا ـ قال : قلت للخليل بن أحمد : أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها عليّ؟! فقال : قولك يدلّ على أنّ الجواب أغلظ من السؤال فتكتمه أيضا. قلت : نعم ، أيّام حياتك ، قال : سل ، قلت : ما بال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كأنهم كلّهم بنو امّ واحدة ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام كأنّه ابن علّة (٤)؟ فقال : إنّ عليا عليه السلام تقدّمهم إسلاما ، وفاقهم علما ، وبذّهم شرفا ، ورجّحهم زهدا ، وطالهم جهادا ، والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم ، فافهم (٥).

__________________

(١) روضات الجنات ٣٠٠/٣ برقم ٢٩٤.

(٢) التعليقة المطبوعة على هامش منهج المقال : ١٣٣.

(٣) كشف الغمة ٥٤٤/١ ، ولاحظ : أمالي شيخنا الطوسي رحمه اللّه ٢٢١/٢ ، ونور القبس : ٥٧ برقم ١٦ مع زيادة.

(٤) في التعليقة : عمّه ، وهو تصحيف.

(٥) قال في وسائل الشيعة ١٨٧/٢٠ برقم ٤٤٤ : خليل بن أحمد ، كان أفضل الناس في الأدب ، وقوله حجّة فيه ، واخترع علم العروض ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وكان إماميّ المذهب ، قاله العلاّمة ، ومثله في جامع الرواة ٢٩٨/١ ، وعنونه في مجمع الرجال ٢٧٣/٢ ، وعدّه في ملخّص المقال في قسم الحسان ، وفي إتقان المقال : ١٨٨ بعد أن نقل عبارة الخلاصة ، قال : بل يستشمّ من كلام الخلاصة التوثيق ، ورجال شيخنا الحرّ المخطوط : ٢٣ من نسختنا ، وذكره في الوسيط المخطوط في باب الخاء.

١٢

بيان :

يقال : بذّه بذّا : إذا غلبه (١) ، وبنو العلاّت : أولاد الرجل من نسوة شتّى ، كأنّ كل واحدة منهنّ علّة ـ بكسر العين ـ على قلب الاخرى (٢).

وعن الصدوق رحمه اللّه في أماليه (٣) ، عن أبي زيد النحوي ، قال : سألت

__________________

(١) قال في الصحاح ٥٦١/٢ : بذّه يبذّه بذّا .. أي غلبه وفاقه.

(٢) قال في الصحاح ١٧٧٣/٥ مادة (علل) : وبنو العلاّت : هم أولاد الرجل من نسوة شتّى ، سمّيت بذلك ؛ لأنّ الذي تزوّجها على اولى قد كانت قبلها [ناهل] ثم علّ من هذه.

(٣) أمالي الشيخ الصدوق : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ المجلس الأربعون حديث ١٤.

وفي مجمع البيان ١١٧/٧ في تفسير الآية الشريفة : (قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً ..) في سورة المؤمنون (٢٣) : ٩٩ ـ ١٠٠ ، قال : وروى نصر بن شميل ، قال : سألوا الخليل عن هذا ـ أي عن : (رَبِّ ارْجِعُونِ) ففكّر ، ثمّ قال : سألتموني عن شيء لا أحسنه ولا أعرف معناه ، فاستحسن الناس منه ذلك.

وفي نور القبس : ٦٣ من الوافر ، قال :

إذا ضيّقت أمرا زاد ضيقا

وأن هوّنت صعب الأمر هانا

فلا تجزع لأمر ضاق شيئا

فكم صعب تشدّد ثمّ لانا

وقال من الوافر :

وما بقيت من اللذّات إلاّ

محاورة الرجال ذوي العقول

وقد كانوا إذا عدّوا قليلا

فقد صاروا أقلّ من القليل

وله أيضا :

وما شيء أحبّ إلى لئيم

إذا سبّ الكرام من الجواب

متاركة اللئيم بلا جواب

أشدّ على اللئيم من السباب

وقال من السريع :

غرّ جهولا امله

حتى يوافى اجله

ومن دنا من حتفه

لم تغن عنه حيله

لا يصحب الإنسان من

دنياه إلاّ عمله

١٣

__________________

وقال في صفحة : ٦٤ : وقال من الكامل :

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد

ذخرا يكون لصالح الأعمال

وقال : من الوافر :

يعيش المرء في أمل

يردّده إلى الأبد

يؤمّل ما يؤمّل من

صنوف المال والولد

ولا يدري لعلّ المو

ت يأتي دون بعد غد

فلا يبقى لوالده

ولا يبقي على ولد

وقال من الطويل :

تكثّر من الإخوان ما اسطعت أنّهم

بطون إذا استنجدتهم وظهور

وما بكثير ألف خلّ لعاقل

وانّ عدوا واحدا لكثير

.. وله شعر كثير إلاّ أنّه لم يك متخذا ذلك مهمة.

ومن كلماته الحكمية قوله ـ كما جاء في صفحة : ٦٥ من نور القبس ـ قال : إذا أخبرك بعيبك صديق قبل أن يخبرك به عدوّ فأحسن شكره وأقبل نصحه ، فإنّك إن قبلته لم ينفعه وإن رددته لم تضرّ إلاّ نفسك. وفي صفحة : ٦٧ ، قال : لمّا دخل الخليل البصرة عزم على مناظرة أبي عمرو بن العلاء ، فجلس في حلقته ، ثم انصرف ولم ينطق ، فقيل له : ما حملك على السكوت عن مناظرته؟ قال : نظرت فإذا هو رئيس منذ خمسين سنة ، فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد ، فلم أكلّمه.

أقول : من كثير من نظمه ونثره ـ ومنه القصة التي ذكرناها ـ يعلم مدى رعايته على كيان الآخرين وإن كان موجبا للحطّ من نفسه أو خمول ذكره ، ونستكشف من مجموع ما ذكروا في ترجمته أنّه ممّن خالف هواه ، وترفّع عن اتّباع الشهوات ، والتنازل لأحد بنية الحصول على المال أو الجاه.

وممّا يذكر في المقام ما ذكر في نور القبس : ٦٦ ـ ٦٧ ، فقال : ولما ولي سليمان بن حبيب المهلّبي الأهواز زاره الخليل ، فلم يحمد أمره فرجع إلى البصرة وكتب إليه من البسيط مرّ آنفا وبيت :

إن كان ضنّ سليمان بنائله

واللّه أفضل مسئول لسؤال

فكتب يعتذر إليه ، فلمّا أتاه الرسول أدخله منزله فأخذ خبزا يابسا فبلّه بماء ، ثم قال للرسول : أبلغ سليمان إنّا لا حاجة لنا فيه ما دمنا نجد هذا!.

١٤

__________________

وقال وهب بن جرير : خرج أبي والخليل والفضل بن المؤتمن العتكي إلى سليمان ابن حبيب بن المهلّب إلى الأهواز ، فبدأ بعطاء الاثنين قبل الخليل ، فكتب إليه الخليل بأبيات تمثل بها من الكامل.

ورد العفاة المعطشون فأصدروا

ريّا فطاب لهم لديك المكرع

ووردت حوضك ظامئا متدفّقا

فرددت دلوي شنّها يتقعقع

وأراك تمطر جانبا عن جانب

وفناء أرض من سمائك بلقع

أبحسن منزلتي تؤخّر حاجتي

ام ليس عندك لي لخير مطمع

ورحل عنه ، فوجّه إليه بألف دينار ، فردّها ، وقال : هيهات ، افلتت قائبة من قوبها.

وفي صفحة : ٧٠ ، قال : قال الخليل في تفضيل شكر الشاكر على إنعام المنعم من الطويل :

وما بلغ الأنعام في النفع غاية

من الفضل إلاّ مبلغ الشكر أفضل

وما بلغت أيدي المنيلين بسطة

من الطول إلاّ بسطة الشكر أطول

ولا رجحت بالمرء يوما صنيعة

على المرء إلاّ وهي بالشكر أثقل

وقال من المجتث :

إن لم يكن لك لحم

كفاك خلّ وزيت

أو لم يكن ذا وهذا

فكسرة وبييت

تطلّ فيه وتأوى

حتى يجيئك موت

هذا عفاف وأمن

فلا يغرّك ليت

***

إن الذي شقّ فمي ضامن

للرّزق حتى يتوفّاني

حرمتني خيرا قليلا فما

زادك في مالك حرماني

قال في روضات الجنات ٢٨٩/٣ ـ ٢٩٠ برقم ٢٩٤ : الشيخ الورع البارع الإمام أبو عبد الرحمن خليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، ويقال : الفرهودي الأزدي اليحمدي البصري اللغوي العروضي النحوي المتقدّم المشهور .. إلى أن قال : كان رحمه اللّه من ولد فراهيد ـ بالفاء والراء ـ أم فرهود بن مالك الذي هو أبو بطن من الأزد ، مثل يحمد ، وقيل : إنّه من أبناء ملوك العجم الذين انتقلوا بأمر أنوشروان العادل إلى

١٥

__________________

حدود اليمن ، وكانوا ستمائة رجل ينتهي إليهم نسب سيبويه النحوي أيضا ، كما في مجالس المؤمنين ، وكان فاضلا صالحا عاقلا حكيما وقورا إماما في علم النحو ومستنبطا للعروض مستخرجا لأبحاره الخمسة عشر .. إلى أن قال : وكان أفضل الناس في الأدب ، ثم نقل عن تقريب ابن حجر والخلاصة للعلاّمة عبارتهما ، ثم قال في أخبار النحاة البصريّين : وكان صالحا عاقلا حليما وقورا متقلّلا من الدنيا ، صبورا على العيش الخشن ، كما في بعض التواريخ. وعن سفيان بن عيينة أنّه قال : من أحبّ أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد. كان النضر بن شميل بن خرشة البصري الذي هو من كبار أصحاب الخليل يقول : ما رأيت أحدا أعلم بالسنّة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد ، ويقول : أكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه ، وهو في خصّ لا يشعر به ، وقال أبو عبيدة : ضاقت المعيشة على الخليل بالبصرة فخرج يريد خراسان ، فشيّعه من أهل البصرة ثلاثة آلاف رجل ما فيهم إلاّ محدّث ، أو نحوي ، أو لغويّ ، أو أخباري فلمّا صار بالمربد ، قال : يا أهل البصرة! يعزّ عليّ فراقكم واللّه لو وجدت كل يوم كليجة باقلا ما فارقتكم! قال : فلم يكن فيهم من يتكلّف ذلك ، فسار إلى خراسان وأفاد بها أموالا.

وقال في نور القبس : ٥٩ ـ ٦١ برقم ١٦ : وكان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار صاحب خراسان ، وكان من أكتب الناس ، وكان بارع الأدب ، وكان كاتبا للبرامكة ، فأراد الخليل أن يهدي له هديّة ، فعلم أنّ المال والأثاث لا يقعان عنده موقعا ، فصنّف له كتاب العين الذي لم يوضع مثله ، فوقع عنده موقعا جسيما ، وحفظ نصفه ، وكانت له بنت عمّ تحته عاقلة ، فابتاع جارية بارعة الجمال ، فبلغها ذلك فنالتها عليه غيرة ، فقالت لأغيظنّه ، وعمدت إلى الكتاب فأحرقته لعلمها بإعجابه به ، فطلب الليث الكتاب فلم يجده ، وأخبر بحاله فأسقط في يده ، وكان الخليل قد مات ، فطلب نسخة للكتاب فأعوزته ؛ لأنّ الخليل كان قد خصّه به ، فاستدرك النصف من حفظه وجمع على النصف الباقي أدباء زمانه فمثلوا على النصف الأوّل ولم يلحقوا ، فالنصف الأخير الذي في أيدي الناس ليس من تصنيف الخليل .. إلى أن قال : وقال : أخرج من منزلي فألقى رجلا من أربعة رجال رجلا أعلم منّي فهو يوم فائدتي ، أو رجلا مثلي فهو يوم مذاكرتي ، أو رجلا متعلّما فهو يوم ثوابي وأجري ، أو رجلا دوني في الحقيقة وهو يرى أنّه فوقي ـ وهو يحاول أن يتعلّم منّي وكأنّه يعلّمني ـ فذاك الذي لا أكلّمه ولا انظر إليه.

١٦

الخليل بن أحمد العروضي فقلت : لم هجر الناس عليّا [عليه السلام] (١) ، وقربه (٢) من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قربه (٣) ، وموضعه من المسلمين موضعه ، وعناؤه في الإسلام عناؤه؟ فقال : بهر واللّه نوره أنوارهم ، وغلبهم على صفو كل منهل ، والناس إلى أشكالهم أميل ، أما سمعت الأوّل

__________________

وقال (من البسيط).

العلم يذكّي عقولا حين يصحبها

وقد يزيدها طول التجاريب

وذو التأدّب في الجهّال مغترب

يرى ويسمع ألوان الأعاجيب

وقال : الرجال أربعة ؛ فرجل يدري ويدري أنّه يدري فذاك عالم فاتّبعوه ، ورجل يدري ولا يدري أنّه يدري فذاك ناس فاذكروه ، ورجل لا يدري ويدري أنّه لا يدري فذاك جاهل فعلّموه ، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذاك مائق [أحمق] فاحذروه.

قيل للخليل بن أحمد : أيهما أفضل ، العلم أو المال؟ قال : العلم ، قيل له : فما بال العلماء يزدحمون على أبواب الملوك ، والملوك لا يزدحمون على أبواب العلماء؟ قال : ذلك لمعرفة العلماء بحقّ الملوك ، وجهل الملوك بحق العلماء.

جاء في العقد الفريد ٢١٣/٢ ، وفي الكامل للمبرد ٢٤١/١ ، قال : الخليل ابن أحمد :

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد

ذخرا يكون كصالح الأعمال

وله أيضا وقد نظر في النجوم فابعد ؛ ثمّ لم يرتضها

أبلغا عنّي المنجّم أنّي

كافر بالذي قضته الكواكب

عالم أنّ ما يكون وما كا

ن بحتم من المهيمن واجب

في المعارف لابن قتيبة : ٥٤١ ، قال : الخليل بن أحمد هو صاحب العروض ، وهو منسوب إلى يحمد من الأزد من فخذ يقال لهم : الفراهيد وكان ذكيّا ، لطيفا ، فطنا ، شاعرا .. إلى أن قال : قال أنشدني الأخفش ، له

واعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي

ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري

 (١) الزيادة من المصدر.

(٢) في المصدر : قرباه.

(٣) في المصدر : قرباه.

١٧

حيث يقول :

وكلّ شكل لشكله إلف (١)

أما ترى الفيل يألف الفيلا

قال : وأنشدنا الرياشي في معناه عن العباس بن الأحنف :

وقائل كيف تهاجرتما

فقلت قولا فيه إنصاف (٢)

لم يك من شكلي فهاجرته

والناس أشكال وآلاف

انتهى.

فالحق أنّ الرجل من أعلى الحسان (٣).

__________________

(١) في الصحاح الجوهري ١٣٣٢/٤ : الجوهري الإلف : الأليف.

(٢) في الأصل : أصناف.

(٣) قال في معجم الأدباء ٧٢/١١ ـ ٧٤ برقم ١٧ [وفي طبعة اخرى ٣٠٠/٣ ـ ٣٠١ برقم (٤٠١)] ، قال : الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم أبو عبد الرحمن الفراهيدي ، ويقال : الفرهودي نسبة إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد اللّه بن مالك بن مضر الأزدي البصري سيد الأدباء في علمه وزهده. قال السيرافي : كان الغاية في تصحيح القياس ، واستخراج مسائل النحو وتعليله .. إلى أن قال : وهو أوّل من استخرج العروض ، وضبط اللغة ، وحصر أشعار العرب ، يقال : إنّه دعا بمكّة أن يرزقه اللّه تعالى علما لم يسبق به ، فرجع وفتح عليه بالعروض ، وكانت معرفته بالإيقاع هو الذي أحدث له علم العروض ، وكان يقول الشعر فينظم البيتين والثلاثة ونحوها. وكان سفيان الثوري يقول : من أحبّ أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد ، ويروي عن النضر ابن شميل أنّه قال : كنّا نمثّل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهما نقدّم في الزهد والعبادة ، فلا ندري أيّهما نقدّم ، وكان يقول : ما رأيت رجلا أعلم بالسنّة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد ، وكان يقول : أكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه وهو في خصّ لا يشعر به ، وكان يحجّ سنة ، ويغزو سنة ، وكان من الزهّاد المنقطعين إلى اللّه تعالى ..

ثم عدّد كتبه ، ومن شعره :

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني

وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

١٨

تذييل :

ذكر الحلّي رحمه اللّه في مستطرفات السرائر (١) الخليل وعدّه من كبراء أصحابنا المجتهدين ، لكن بعنوان : الخليل بن إبراهيم بن أحمد العروضي ، وترجمه غيره بإسقاط إبراهيم ، وتبعناهم في العنوان لتفرد الحلي رحمه اللّه بما عنون به ، قالوا : وكان أبوه أحمد أوّل من سمّي بهذا الاسم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. انتهى.

ونقل عن المبرد (٢) أنّه قال : فتّش المفتّشون فما وجدوا بعد نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل ، فكان ولده بتلك المنزلة من الذكاء

__________________

وفي صفحة : ٧٥ [٣٠٢/٣] ، قال : ووجّه إليه سليمان بن علي والي الأهواز لتأديب ولده ، فأخرج الخليل لرسول سليمان خبزا يابسا ، وقال : ما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان ، فقال الرسول : فما أبلّغه عنك؟ فقال :

أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة

وفي غنى غير أني لست ذا مال

سخى بنفسي أنّي لا أرى أحدا

يموت هزلا ولا يبقى على حال

والفقر في النفس لا في المال نعرفه

ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه

ولا يزيدك فيه حول محتال

وذكرت هذه القصة بنحو آخر.

ومن شعره أيضا :

وقبلك داوى الطبيب المريض

فعاش المريض ومات الطبيب

فكن مستعدّا لدار الفناء

فإن الذي هو آت قريب

توفّي سنة ستين ومائة ، وقيل : سبعين ومائة وله أربع وسبعون سنة.

(١) في آخر المستطرفات قبل تمام وختم الكتاب بأسطر : ٤٩٤ [الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ٦٥٢/٣] هكذا : وقد قال الخليل إبراهيم بن أحمد العروضي رحمه اللّه : الإنسان لا يعرف خطأ معلّمه حتى يجالس غيره.

(٢) في الكامل ٢٤١/١ ، قال : قال أبو الحسن : زعم النسّابون أنّهم لا يعرفون منذ وقت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .. إلى الوقت الذي ولد فيه أحمد أحدا سمّي بأحمد غيره.

١٩

والعلم والزهد ، كرامة لأوّل تسميته باسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم (١). انتهى.

وقال في روضات الجنّات (٢) : إنّه كان ـ يعني أحمد ـ زمن الصادق عليه السلام ، ويقال : إنّه كان من جملة أصحابه ، وله الرواية عنه في كتب أصحابنا المتديّنين. انتهى.

وقد أرّخ السيّد صدر الدين رحمه اللّه في حاشية المنتهى (٣) مولده بسنة مائة ، ووضعه (٤) لعلم العروض بسنة مائة وخمس وسبعين. قال : وقيل : قبلها ، وقيل : بعدها ، ونقل السيّد هاشم البحراني في روضة العارفين أنّه توفّي : سنة تسعين (٥) ومائة ، وهو ابن أربع وتسعين سنة.

وأقول : هذا مناف لكون مولده سنة مائة ، فلا تذهل.

__________________

(١) وقال السمعاني في الأنساب ١٦٧/١٠ : قال أبو حاتم بن حبّان : الخليل بن أحمد ابن فراهيد ، صاحب العروض وكتاب العين ، يروي المقاطيع .. وكان من خيار عباد اللّه من المتقشفين في العبادة. قلت : تلمذ له النضر بن شميل وعالم لا يحصى .. إلى أن قال : قال الشيخ أبو سليمان : ليس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلم من امته من اسمه أحمد ما بينه وبين أحمد الفراهيدي أبي الخليل ابن أحمد.

(٢) روضات الجنات ٣٠٠/٣ برقم ٢٩٤.

(٣) هذه الحاشية مخطوطة لم تصل بأيدينا ، وقد صرحت المصادر التي في أول الترجمة بأنّ مولده سنة ١٠٠ ولم تنقل اختلافا في ذلك.

(٤) هنا سقط من قلم الناسخ ، والعبارة الصحيحة : ومات بعد وضعه لعلم العروض في سنة.

(٥) أقول : إنّ لفظ (تسعين) ، و (سبعين) متقاربان في الكتابة ، والصحيح : سبعين ؛ لأنّه لم ينقل عن أحد وفاته بسنة تسعين.

٢٠