المطلب الرابع
ما رواه الجمهور في حقّ معاوية
قال المصنّف - طاب ثراه (١) :
المطلب الرابع
في مطاعن معاوية :
وهي أكثر من أن تحصى ، وقد روى الجمهور منها أشياء كثيرة .
منها : ما روى الحميدي قال : قال رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم: «ويحَ عمّار ! تقتله الفئة الباغيةُ [ بصفّين ] ((٢)) يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ((٣)) ، فقتله معاوية .
١- نهج الحق : ٣٠٦ .
٢- ليست في المصدر وهي اضافة توضيحية من العلامة الحلي قدس سرة.
٣- الجمع بين الصحيحين ٤٦٢/٢ ١٧٩٤ ، وأنظر : صحيح البخاري ١٩٤/١ ١٠٧ و ج ٤ / ٧٧ ح صحیح مسلم ١٨٥/٨ - ١٨٦ ، سنن الترمذي ٦٢٧/٥ -٦٢٨ ح ٥/ ٣٨٠٠ ، سنن النسائي الكبرى ٥ / ٧٥ ح ٨٢٧٥ و ص ١٥٥ - ١٥٧ ح ٨٥٤٣ - ٨٥٥٣ ومن ١٦١/٢ عدة طرق ، مسند أحمد ٢ / ١٦١ و ١٦٤ و ٢٠٦ وج ٥/٣ و ٢٢ - ٢٨ و ٩١ وج ١٩٧٤ ١٩٧/١ و ١٩٩ و ج ٣٠٦/٥ و ٣٠٧ و ج ٦/ ٢٨٩ و ٣٠٠ وج مسند الطيالسي : ٩٠ ج ٦٤٩ و ص ٢٨٨ ح ٢١٦٨ ، مصنف عبد الرزاق ٢٤٠/١١ ٢٠٤٢٧ ، مصنف ابن أبي شيبة ٧٢٣/٨ ح ٩ و ١٥ و ص ٧٢٨ ح ٣٩ و ٤٠ ، مسند
ولما سمع معاوية اعتذر فقال : قتله من جاء به.
فقال ابن عباس : فقد قتل رسول الله صلی الله علیه واله و سلم حمزة لأنه جاء به إلى الكفار ((١)) .
البزار ٢٥٦/٤ ح ١٤٢٨ و ج ٣٥٨/٦ ح٢٢٣٦٨ و ج ٣٥١/٧ ح ٢٩٤٨، مسند ابی يعلى ٢٠٩/٣ ح١٦٤٥ وج ١٩٥/٧ ح٤١٨١ وج ٤٠٣/١١ ح ٦٥٢٤ و ج٤٢٤/١٢ ح٦٩٩٠ و ج ١٢٣/١٣ح ٧١٧٥ و ص ٣٣١ ح ٧٣٤٧ ، المعجم الكبير٣٢٠/١ ح ٩٥٤ وج ٤ / ٨٥ ح ٣٧٢٠ ص١٨٦ح ٤٠٣٠ و ج ٢٢١/٥ ح ٥١٤٦ و ص ٢٦٦ ح ٥٢٩٦ وج ١٩ / ١٧١ ح ٣٨٢ و ص ٣٩٦ ح ٣٩٦ ح ٩٣٢ و ج ٢٣ / ٣٦٣ - ٣٦٤ ح ٩٣٢ ٨٥٢ - ٨٥٨ و ص ٣٦٩ - ٣٧٠ ح ٨٧٣ و ٨٧٤ ، المعجم الأوسط ٣٢٤/٦ ح ٦٣١٥ وج ٢٩٨/٨ ح ٨٥٥١ ، المعجم الصغير ١٨٧/١ ، مسند الشاشي ٤٠٨/٣ ح ١٥٣٢ ، صحیح ابن حبّان ٢٦٠/٨ ح ٦٧٠١ و ج ٩ / ١٠٥ - ١٠٦ ح ٧٠٣٦ - ٧٠٣٨ ، مستدرك الحاكم ٢ / ١٦٨ ح ٢٦٦٣ وج ٣ / ٤٣٤ - ٤٣٦ ح ٥٦٥٧ و ٥٦٥٩ .
١- بنظر : سنن النسائي الكبرى ١٥٧/٥ ح ح ٨٥٥٣ ، مسند أحمد ٢٠٦/٢ وج ١٩٩/٤ ، مسند أبي يعلى ١٢٣/١٣ - ١٢٤ ح ٧١٧٥ وص ح ٧٣٤٦ و ص ٧٣٥١ ، مصنف عبد الرزاق ٢٤٠/١١ ، طبقات ابن سعد ٣/ ١٩١ و ١٩٢ ، الإمامة والسياسية ١٤٦/١ ، العقد الفريد ١٣/ ٣٣٧ ، أحكام القرآن للجصاص ٥٩٦/٣ ، مستدرك الحاكم ١٦٨/٢ ح ٢٦٦٣ وج ٤٣٦/٣ -٤٣٧ح ٥٦٥٩ و ٥٦٦٠ ، دلائل النبوة - للبيهقي - ٥٥١/٢ - ٥٥٢ ، تاریخ دمشق ٤١٤/٤٣ و ٤٢٥ و ٤٣١ ، مناقب الخوارزمي : ٢٣٤ ، الكامل في التاريخ ١٨٨/٣ - ١٨٩ ، شرح الأخبار١ / ٤٠٨ ح ٣٦٠ ، أمالي الصدوق : ٤٨٩ ح٦٦٥.
وقال الفضل ((١)) :
قول أهل السنة والجماعة في معاوية : أنّه رجل من أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله و سلم ، وصحبته ثابتةٌ ، لا ينكره الموافق والمخالف ، وكان كاتب وحي رسول الله صلی الله علیه واله و سلم.
وبعد أن توفي رسول الله صلی الله علیه واله و سلم خرج إلى الشام تحت راية أخيه يزيد بن أبي سفيان ، ولمّا توفّي يزيد في إمارة الشام زمن إمارة عمر بن الخطاب ، ولاه عمرُ في إمارة الشام، وكان أميراً بها مدة خلافة عمر بن الخطاب .
ثمّ ولاه عثمان الشام، وأضافه ما فتحه من بلاد الروم، وكان على ولايتها مدة خلافة عثمان بن عفان((٢)) .
ثمّ لمّا تولّى الخلافة أمير المؤمنين علي ، عزله من إمارة الشام وجعل الإمارة لعبد الله بن عباس.
فقال عبد الله : يا أمير المؤمنين ! إنّ معاوية قد استولى على الشام وله سنين كثيرة يحكم في الشام - وهو رجل من أهل الدنيا - فقره على أمره حتى تأخذ منه البيعة ، ثمّ إذا جاء الموسم للحج استوقفه في المدينة ، وابعث من تريد إلى الشام .
فلم يسمع أمير المؤمنين كلام عبد الله بن عباس وعزله في يومه » ((٣)).
١- إبطال نهج الباطل المطبوع ضمن إحقاق : ٥٩٠ (حجري) .
٢- أسد الغابة ٤٣٥/٤
٣- أنظر : تاريخ الطبري ٧٠٤/٢ ، البدايه والنهاية ١٨٣/٧
وبعد أن قتل عثمان ، ذهب مروان ونائلةُ بنتُ الفرافصة ((١)) - زوجة عثمان - إلى الشام ، وقد قطعت أنامل نائلة حين هموا بقتل عثمان ، فأوقعت نائلة نفسها على عثمان ، فقطعوا أناملها بالسيف .
فأخذ مروان ونائلة قميص عثمان وأناملها ، وذهبا بهما إلى معاوية .
فعلق معاوية القميص والأنامل على مسجد دمشق ، واجتمع بنو أُمية كلّهم في الشام ، وهموا بطلب ثأر عثمان ، ولم يبايعوا لعلي حتى وقع ما وقع من الفتن والحوادث المشهورة ((٢)) .
ومذهب أهل السنة والجماعة أنّ الإمام الحق بعد عثمان كان علي بن أبي طالب ، ولا نزاع لأحد من أهل السنة في هذا ، وأن كل من خرج على عليّ ، كانوا بغاة على الباطل .
ولكن كانوا من أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله و سلم ينبغي أن يحفظ اللسان عنهم، ويكفّ عن ذكرهم وذكر ما جرى بين الصحابة ؛ لأنّه يورث الشحناء، ويثير البغضاء ، ولا فائدة في ذكره .
وأما ما ذكره من مطاعن معاوية ، فلا اهتمام لنا أصلاً بالذب عنه ؛ فإنّه لم يكن من الخلفاء الراشدين حتى يكون الذب عنه موجباً لإقامة سنة
١- نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو ، ويقال عفير ، وكان الأحوص نصرانياً ، ولما كان سعيد بن العاص على الكوفة تزوج أختها هنداً ، فبلغ عثمان ذلك ، فطلب منه أن يوصفها له ، ففعل ، فطلب منه أن يخطب له أختاً إن كان لها ، فخطب نائلة ، فحملها له أخاها حنب من بادية السماوة فتزوجها لم يذكر أي تاريخ لولادتها أو وفاتها أو أي شيء آخر .أنظر ترجمتها في : الأغاني ٣٤٨/١٦ ، تاريخ دمشق ١٣٥/٧٠ ت ٩٤٣٥ ،الأعلام للزركلي ٣٤٣/٧.
٢- أنظر : الكامل في التأريخ ١٦١/٣
الخلفاء وذب الطعن عن حريمهم ، ليقتدوا بهم الناس ولا يشكوا في كونهم الأئمة ؛ لأن معظم الإسلام منوط بآرائهم ، فإنّهم كانوا خلفاء النبوة ، ووارثي العلم والولاية .
وأما معاوية ، فإنّه كان من ملوك الإسلام ، والملوك في أعمالهم لا يخلون عن المطاعن ، ولكن كفُّ اللسان عنهم أولى ؛ لأن ذكر مطاعنه لا يتعلّق به فائدةٌ ما أصلاً ؛ فإنّ ذكر مطاعن الخلفاء ينفعُ الرّفضة ، وأقل المنافع أن يصير سبباً للمباحثة والمعارضة التي هي أنفع المنافع عند المجادلين من الرفضة. وهذه المنفعة مفقودة في ذكر مطاعن معاوية ؛ لأنه لم يعارض أحدٌ في الذب عنه، فَذِكْرُ مطاعنه محض الغيبة الضارة، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم: «ولا تذكروا موتاكم إلا بالخير»((١)).
لكن لما ذكر هذا الرجلُ مطاعنه - ونحن لا نريد أن نترك شيئاً ممّا ذكره - نذكر مطاعنه ، ونتكلم في كل فصل بما يليق في ذلك الفصل من الكلام.
فنقول : ما ذكر أن رسول الله قال : «ويحَ عمّار تقتله الفئة الباغية » .
فهذا حديث صحيح ، ولاشك أنه قتل في حرب صفين ، ولا شك أن أصحاب معاوية قتلوه - وهم الفئة الباغية - ولا نزاع في هذا .
١- كنز العمال ١٥ / ٦٨٠ ح ٤٢٧١٢ .
وأقول :
إثبات الصحبة لمعاوية غير نافعة له ؛ إذ كم من صاحب للنبي صلی الله علیه و اله وسلم منافق ، بل ربِّ خاصة له في الظاهر وهو أفسقُ فاسقٍ .
روى البخاري ((١)) عن النبي صلی الله علیه و اله وسلم قال :
«ما بعث الله من نبي ، ولا استخلف من خليفة ، إلّا كانت له بطانتان ؛ بطانة تأمرة بالمعروف وتحضّه عليه؛ وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه» ((٢))
ونحوه في «مسند أحمد» ((٣)) .
فأيّة فائدة لمعاوية في الصحبة، وهو من أكبر المنافقين ؛ لحربه ؛ واستدامة بغضه لسيّد المسلمين وأخ النبي الأمين ؟!
وكان من المؤلّفة قلوبهم، كما في ترجمته من كما في ترجمته من «الاستيعاب »((٤)) و تاريخ الخلفاء للسيوطي ((٥)) ، وغيرهما ((٦)) ؛ ولأجل تأليفه استكتبه النبي صلی الله علیه و اله وسلم للصدقات ونحوها ، كما حقق كونه كاتب الصدقة حافظ أبرو الشافعي ((٧))
١- في باب بطانة الإمام وأهل مشورته من كتاب الأحكام . منه قدس سرة.
٢- صحيح البخاري ١٣٨/٩ ح ٥٦ .
٣- ص : ٢٨٩ ٢ . منه قدس سرة.
٤- الاستيعاب ١٤١٦/٣ ت ١٤٣٥ .
٥- تاريخ الخلفاء : ٢٣٣ عهد بني امیة.
٦- أسد الغابة ٤٣٣/٤ ت ٤٩٧٧ .
٧- حافظ أبرو : لطف الله بن عبد الله ، نور الدين الهروي المولد ، همداني والدار ، الشهير بحافظ أبرو ، توفي بزنجان سنة ٨٣٤ ه- . له زبدة التواريخ
على ما نقله السيد السعيد رحمه الله ((١))
ولا أدري أيه آية كتبها معاوية للنبي صلی الله علیه و اله وسلم ، وأية رواية جاءت بها ؟!
فلا أصل لما تشدق به الخصم وبعض أصحابه من أنّه كاتب الوحي . وغاية ما ذكره قدماؤهم ؛ كالطبري وابن الأثير في تاريخهما ، وابن عبد البر في «الاستيعاب » : أنّه كتب لرسول الله صلی الله علیه و اله وسلم ولم يبينوا المكتوب ((٢)) .
وقال ابن أبي الحديد ((٣)) : اختلف في كتابته له ، كيف كانت ؟
فالذي عليه المحققون من أهل السيرة : إنّ الوحي كان يكتبه عليّ ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأن حنظلة بن الربيع التيمي ، ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك ، وإلى رؤساء القبائل ، ويكتبان حوائجه بين يديه ، ويكتبان ما يجيء من أموال الصدقات وما يُقسم في أربابها » ((٤)).انتهى .
ولو سُلّم أنه كتب شيئاً من الوحى فى أيام إسلامه البسيرة المدخولة ، فقد كتب قبله ابنُ أبي سرح ، وارتد عن الإسلام ((٥)) ، وما صدر من معاوية ، أشد وأنكى في الإسلام .
إلى وقائع سنة ٨٢٩ .
انظر : کشف الظنون ٨٣٩/٥
١- احقاق الحق : ٥٩١ ( حجري)
٢- تاريخ الطبري ٢١٨/٢ حوادث سنة ١٠ ه- ، الكامل في التاريخ ١٧٩/٢ حوادث سنة ١٠ ه- ، الاستيعاب ١٤١٦/٣ في ترجمته
٣- ص : ١١٢ مجلد ١ . منه قدس سرة.
٤- شرح نهج البلاغة ٣٣٨/١ .
٥- تاريخ الطبري ٢١٨/٢ حوادث سنة ١٠ه- ، الاستيعاب ٩١٨/٣ ت ١٥٥٣ ، أسد الغابة ٣/ ١٥٥ ت ٢٩٧٤ ، الكامل في التاريخ ٣٣/٣ ت ٨.
وأما ما ذكر من تولية عمر له على الشام فصحيح ، لكن لا تدلّ على فضيلة له ، وأن الإشكال في المولّي أعظم، وتوليته له إحدى مطاعنه ؛ لوجود كبار الصحابة السابقين الذين هم أولى منه بالولاية ، وأصلح للدين ، كما سبق مثله في تولية عثمان لأقاربه ((١)) ، بل عَزلَ عمر به من هو أولى منه بالأمارة ، فقد روى الترمذي في مناقب معاوية :
« أنّه لمّا عزل عمر عمير بن سعد ((٢)) عن حمص ، ولى معاوية ، فقال الناس : عزل عميراً وولّى معاوية» ((٣)) الحديث .
ولا شك أنّ هذا القول منهم إنّما هو لظهور فسق معاوية ، أو ظهور فضل عمير عليه ، فلم يحط عمر الإسلام نُضحاً .
وقد سبقت رواية البخاري ومسلم عن النبي صلی الله علیه و اله وسلم أنه قال :
«ما من عبد استرعاه الله رعيّةً فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» ((٤))
ولكن يا لَلْعَجبِ !! قد أضاف الراوي إلى ذلك : «أنّ عميراً قال :
لا تذكروا معاوية إلا بخير ؛ فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم يقول :
« اللهم ! اهد به » .
١- راجع ج٤٠٩/٧
٢- عمير بن سعد بن عبيد الله بن النعمان الأوسي الأنصاري ، وقيل بن سعد بن شهيد وقيل سعد بن عبيد بن قيس ، كان يقال له نسيج وحده ، كان قد شهد فتح الشام وأستعمله عمر بن الخطاب على حمص وقيل دمشق أيضاً ، سكن الشام ومات بها وقيل نزل بفلسطين ومات بهاآنظر : الاستيعاب ٣/ ١٢١٥ ت ١٩٨٣ ، أسد الغابة ٢٨٩/٣ ت ٤٠٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٠٣/٢ ت ١٢ .
٣- سنن الترمذي ٦٤٥/٥ رقم ٣٨٤٣ .
٤- راجع ج ٤٣١/٧
إذ أيُّ مناسبة بين معاوية والهداية به ؟!
فهل من الهداية به إلحاقه العَهارَ ((١)) بالنسب جهراً ((٢)) ، وإضلاله قطرالشام حتى أماتهم ميتة جاهليّةً ؛ لجهلهم بإمام زمانهم وخروجهم عليه ((٣)) ؟!
وهل من الهداية به لبسه الحرير والديباج ، وشربه الخمر ، واستعماله أواني الذهب والفضة ((٤)) ؟ !
إلى غير ذلك مما يتهتك به ، كما ستعرف .
وليت عمر بعد ما ولاه على رقاب المسلمين يسمع به قول قائل ، أو لا يَمدّه في غيه بالمال، أو لا يغضي عما يعمله من سييء أفعاله .
روى في «الاستيعاب» بترجمة معاوية: «أنّه ذُمّ يوماً عند عمر، فقال : دعونا من ذم فتى قريش»((٥)).
وروى أيضاً : أنّه كان يجري عليه في كل شهر ألف دينار» ((٦)) .
١- العهار : عهر اليها يعهر عهراً وعهوراً وعهارةً وعهورة وعاهرها عهاراً : أتاها ليلاً للفجور . ثمّ غلب على الزنا مطلقاً وقيل هو الفجورأنظر : لسان العرب ٤٥١/٩ ، تاج العروس ٢٧٩/٧ مادة « عهر » .
٢- إشارة إلى استلحاقه زياد ابن ابيه ونسبه لأبي سفيان علانيةً
٣- إشارة إلى خروج معاوية ومعسكره من أهل الشام لحرب أمير المؤمنين صلی الله علیه و اله وسلم في صفين
٤- سنن أبي داود ٦٧/٤ رقم ٤١٣١ كتاب اللباس ، مسند أحمد ٣٤٧/٥ ، الاستيعاب ٨٣٦/٢ رقم ١٤٢٤ [دون أن يسمّي معاوية ] ، تاريخ دمشق ١٩٧/٢٦ - ١٩٨ وص ١٩٨ ٢٠٠ في ترجمة عبادة بن الصامت برقم ٣٠٧١ و ج ٣١٢/٢٧ بترجمة عبد الله بن الحارث بن أُمية بن عبد شمس برقم ٣٢٣٠ بن عبد شمس برقم ٣٢٣٠ ، و ج ٤٢٠/٣٤ ، أسد الغابة ٣٥٣/٣ رقم ٣٣٢٢ ، شرح نهج البلاغة ٥/ ١٣٠ ،الاصابة ٣٢١/٤ رقم ٣٤٠ بترجمة عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري .
٥- الاستيعاب ١٤١٨/٣ .
٦- الاستيعاب ١٤١٦/٣ .
وفي رواية أخرى : «في السنة عشرة آلاف دينار» ((١)).
ذلك يزعمون : «أن عمر حج سنة عشر من خلافته، فکانتنفقته ستة عشر ديناراً .
فقال : أسرفنا في هذا المال»، كما في «تاريخ الخلفاء»، وفي «الصواعق » ((٢)) بسيرة عمر.
فهل من السرف إنفاق هذا القدر اليسير في مجموع طريق الحج ، ولا يكون من السرف إعطاء معاوية في كل شهر ألف دينار لو كانت الأمور على حقائقها ؟!
وفي الاستيعاب أيضاً : « أن عمر قال : - إذ دخل الشام ورأى معاوية - :
هذا كسرى العرب .
وكان معاوية قد تلقاه في موكب عظيم ، فلما دنا منه قال :
أنت صاحب الموكب العظيم ؟
قال : نعم ...
قال : مع ما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك ؟
قال : مع ما يبلغك من ذلك .
قال : ولم تفعل هذا ؟
قال : نحن بأرض جواسيس العدو بها كثيرةٌ ، فيجب أن تظهر لهم عزّ السلطان ما نرهبهم به ...
١- الاستيعاب ١٤٢٢/٣ ت ٢٤٣٥ .
٢- تاريخ الخلفاء : ١٦٥ في نُبذ من أخباره وقضاياه ، الصواعق المحرقة : ١٥٨ الفصل السابع من الباب الرابع .
فقال عمر: ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس ((١))
إن كان ماقلت حقاً ، إنّه لرأي أريب، وإن كان باطلاً : إنّه لخدعة ادیب.
قال : فمرني يا أمير المؤنين .
قال : لا أمرك ولا أنهاك » ((٢)) .
ونحوه في تاريخ الطبري ((٣)) .
ولا ريب أن إظهار عمر للشك في صحة عذر معاوية ، إغضاء منه عمّا علمه من بطلان عذره ؛ إذ كيف يخفى على عمر أو غيره أن عز السلطان الإسلامي وإرهاب العدوّ ، إنما يحصل بكثرة الجن-د والخيل والسلاح، وتفاني الرعيّة في طاعة الوالي لاعتقادهم بفضله ، وهداه ، لا بتجبر الوالي ، ووقوف ذوي الحاجات ببابه ، وتحقيره لهم ؟!
ولا أعجب من عمر ؛ فإنّه أظهر الشك في معاوية ثمّ ما برح حتى أوكل الأمر إلى هواه ، فقال : «لا أمرك ولا أنهاك».
وهل يشتبه على عمر سوء أعمال معاوية وهو مهتوك الستر ؟!
قال ابن أبي الحديد ((٤)) في شرح كتاب لأمير المؤمنين إلى ابن العاص
١- الرواجب : مفاصل أصول الأصابع التي تلي الأنامل أو بواطن مفاصلها ، واحدتها : راجبة . تاج العروس ٢ / ١٧ ، مادة«رجب». ولعل المراد بقوله : في مثل رواجب الضرس ؛ كناية عن الحيرة أو الندم ؛ لأن النادم أو المتحيّر يعض على يده أو اصبعه ، كما يُقال : قرعَ فلان سنّه ؛ إذا حرقه ندماً .
٢- الأستيعاب ١٤١٧/٣ .
٣- ص : ١٨٤ ج . ٦ . منه قدس سرة ، تاريخ الطبري ٣/ ٢٦٥ حوادث سنة ٦٠ ه-
٤- ص : ٦٠ مجلد ٤ . منه قدس سرة.
يقول فيه :
«فإنّك قد جعلت دينك تبعاً لدنيا امريء ، ظاهر غيّه، مهتوك ستره ...» إلى آخره .
قال : «أما مهتوك ستره ؛ فإنّه كان كثير الهزل والخلاعة ، صاحب جلساء وسمار .
ومعاوية لم يتوفّر ، ولم يلزم قانون الرياسة إلا منذ خرج على أمير المؤمنين علیه السلام، واحتاج إلى الناموس والسكينة .
وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك ، موسوماً بكل قبيح.
وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلاً ؛ خوفاً منه ، إلا أنّه كان يلبس الحرير والديباج ، ويشرب في آنية الذهب والفضة ، ويركب البغلات ذوات المحلاة بهما ، وعليهما جلال ((١)) الديباج والوشي ، وكان حينئذ شاباً وعنده نزق الصبا وأثر الشبيبة ، وسكر السلطان والإمرة .
ونقل الناس عنه في كتب السيرة : إنّه كان يشرب الخمر في أيام عثمان بالشام، وأما بعد وفاة أمير المؤمنين علیه السلام واستقرار الأمر له ، فقد اختلف فيه.
فقيل : إنّه شرب الخمر في ستر ، وقيل : لم يشرب .
ولا خلاف أنّه الغناء وطرب عليه ، وأعطى ووصل عليه»((٢)) .
أقول ، الظاهرُ شربه لها بعد استقرار الأمر له ؛ لما في «مسند
١- الجلال : جمع الجل ، وجل الدابة : الذي تلبسه لتصان به ، وجلال كل شيء :غطاؤه . لسان العرب ٣٣٦/٢ .
٢- شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٦٠ - ١٦١ .
أحمد » ((١)) عن عبد الله بن بريدة الأسلمي ، قال :
«دخلتُ أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ، ثم أتينا بالطعام فأكلنا ، ثمّ أُتينا بالشراب ، فشرب معاوية .
ثم ناول أبي ، قال : ما شربته منذ حرمه رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم.
فإن مثل بريدة لا يغضي عن معاوية لولا خوفه منه واستقرار الأمر له
مضافاً إلى ما في تتمة الحديث قال : «أي عبد الله » :
«ثمّ قال معاوية : كنتُ أجمل شباب قريش ، وأجوده ثغراً ، وما شيء كنتُ أجد له لذة كما كنتُ أجده وأنا شاب غير اللبن ، أو إنسان حسن الحديث يحدثني» .
فإن هذا الكلام ظاهر في بلوغه سن الشيخوخة ، وذهاب اللذات عنه ، سوى لذتي اللبن والحديث الحسن ، فلا يجد لذة للخمر - وقد شاخ - كما كان يجدها وهو شاب ، فيا سوأةً له ولمن يواليه .
وأعظم دليل على ظهور فسقه ونفاقه ، أنّه لمّا ولي أمير المؤمنين علیه السلام لم يرض أن يبقيه والياً زمناً يسيراً ، وقال - كما في ترجمة المغيرة من «الاستيعاب» -:
«لا والله ، لا رآنى الله مستعملاً له ولا مستعيناً به ما دام على حاله».
ثم قال علیه السلام: ( إن أقررتُ معاوية على ما في يده ، كنت متخذ المضلين عضدا»((٢))((٣)).
١- ص : ٣٤٧ ٥ . منه قدس سرة.
٢- اشارة إلى قوله تعالى : (ما أشهدتُّهم خَلقَ السموات والأرض ولا خَلقَ أنفُسِهم وما كنت مُتَّخِذَ المُضلَّينَ عَضُدا) سورة الكهف ١٨ : ٥١ .
٣- الاستيعاب ١٤٤٧/٤ رقم ٢٤٨٣
وروى الطبري في تأريخه ((١)) أن أمير المؤمنين علیه السلام لما أشار عليه المغيرة بإقرار معاوية قال: «والله لا أُداهنُ في ديني» ((٢))
وأنّه علیه السلام أجاب ابن عبّاس بعد ما أشار عليه بإقرار معاوية وأصحابه
قال :
«أما ما ذكرت من إقرارهم ، فوالله ، ما أشك أنّ ذلك خيرٌ في عاجل الدنيا لإصلاحها ، وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان ، فوالله لا أُولي منهم أحداً أبداً» ((٣)).
وأما ما ذكره من أنّه لا نزاع لهم في أنّ من خرج على علي علیه السلام كانوا بغاةً على الباطل ، وأنّه ينبغي أن يحفظ اللسان عنهم ؛ لأنه يورث الشحناء ، فطريف ؛ لأنّهم إذا لم ينازعوا في أنهم على الباطل ، فما بال ذكرهم بباطلهم ومثالبهم يورث شحناء السنّة وبغضهم لنا ، بل كان يلزمهم إعانتنا على ثلب
المبطلين ؟!
أترى من سنة رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم أن يبغض المسلم المسلم لذكره أهل الباطل بباطلهم ومعائبهم ؟!
وقوله : « لا فائدة بذكره ، أطرف من سابقه ؛ إذ أيّةً فائدة أعظم من إظهار حال المبطل ؛ لئلا يغتر به الجاهل، ويدخل الناس في ضلالته، ويعظموا حقير منزلته ، ويعادوا أولياء الله لإجله ؟!
وكم من آية وسنّة لعنت أهل النفاق، وذمّت المردة الفساق.
وهل هذا إلا مثل أن يقال : لا تذكروا اليهود والنصارى بما هم فيه ؛
١- ص : ١٦٠ ج ٥ . منه قدس سرة.
٢- الطبري ٧٠٤/٢ حوادث سنة ٣٥ ه .
٣- الطبري ٧٠٣/٢ حوادث سنة ٣٥ ه .
لأنه يورث الشحناء ؟!
وأما ما زعمه من أنّه لا اهتمام لهم بالذب عن معاوية ، فيكذبه الوجدان ، فكم كتاب لهم في الذب عنه، وكم مقال لهم في الدفع عن مخازيه ، حتى أبانوا عن غاية ولائهم له وتمسكهم به ، فلا يؤثر في شأنه مخالفته لضرورة شريعة الرسول صلی الله علیه و اله وسلم بالحاق زياد بأبيه بالزنا ،وخروجه على إمام زمانه، وسفك ما لا يحصى من الدماء، سبّ أخ النبي صلی الله علیه و اله وسلم ونفسه على المنابر ((١)) ، وفي كل ذلك ينسبونه إلى الاجتهاد ، ويعذرونه ((٢)).
وقد أثبت ابن حجر الهيثمي خلافة معاوية في «صواعقه»، وألف لها وللذب عنه ، كتاباً سمّاه :
«تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان ((٣)). »
فانظر إلى هذا الاسم العريض الطويل، الكاشف عما اشتمل عليه المسمّى من الخرافات والأباطيل .
وأما قوله : « ولا يشكوا في كونهم الأئمة»
ففيه : إنّه لا بأس بالشك في إمامتهم بمقتضى مذهبهم ؛ إذ ليست هي من الاعتقاديات وأصول الديانات، وإنما مسألة الإمامة عندهم فرعيّة
١- راجع المحاسن والمساوي : ٥٥ ، مروج الذهب ١٨٤/٣ ، الكامل في التأريخ ٣١٤/٤ - ٣١٥ ، معجم البلدان ٣/ ٢١٥ ، تاريخ الخلفاء : ٢٢٥.
٢- انظر : الإبانة - لأبي الحسن الأشعري - : ١٧٨ - ١٧٩ ، شرح المقاصد٣٠٨/٥ ، تطهير الجنان : ٤٢ .
٣- طبع بهامش الصواعق المحرقة الطبعة الميمنية سنة ١٣١٢ ه- ، وبذيل طبعة دار الكتب العلمية .
عمليّةً ؛ بأن يجب على الأمة نصبُ إمام حاضر ، ولا دخل لها بالاعتقاد بإمامة إمام غابر ((١))
وتعليله لذلك بأن معظم الإسلام منوط بآرائهم ، خطاً ؛ لأن اتباع أقوالهم عندهم لا يتوقف على الاعتقاد بإمامتهم ، وإنما يتوقف على اجتهادهم ، كسائر الصحابة .
على أنا لا نعرف أحكاماً مأخوذةً من آرائهم سوى الأحكام التي ابتدعوها ، ومرّ عليك بعضُها .
وأما ما زعمه من أن المباحثة والمعارضة أنفع المنافع عند المجادلين من الرفضة ، ففيه :
إنّ همة الشيعة ورفضة الباطل ، أعلى وأرفع من هذه الغاية ، كيف ؟ وأدلتهم القويمة شاهدةً بأن غايتهم هدايه الأنام، وقصدهم بالزام الخصم بحجته إرشاده إلى الحق .
ومن المضحك إطلاقه الغيبة الضارّة على ذكر مطاعن معاوية ؛ فإن الغيبة الضارّة هي ذكر المؤمن بما يكره ، والكلام في إيمان معاوية .
على أن هذا الذكر لو حرم لسقط علم الرجال ، وانسدّ باب الجرح ، من أوليائه .
مع أنّ المصنف رحمه الله إنما أخذ ذلك منهم ، ورواه عنهم ، فهم أوّل من استغاب معاوية ، بل الله سبحانه أوّل من استغابه وعشيرته حيث أظهر أسواءهم ، ووصفهم بأنّهم الشجرة الملعونة في القرآن((٢))، واتبعه نبيه
١- راجع ج ١٨٦/٤ من هذا الكتاب .
٢- وهو قوله تعالى : (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة
الكريم بهذا ولوازمه من بغض هذا الحي ولعنه ((١)) ، ونحن ما زدنا على هذا . ومما ذكرنا يعلم أن معاوية ليس من موتانا الذين أريدوا بقوله : لا تذكروا موتاكم إلا بخير»
ولا شك لعاقل أن غرض هذا الخصم وصحبه من هذه الكلمات ونحوها منع النظر في مطاعن أوليائهم ؛ لئلا يتضح حالهم ، وإلا فأي شخص ينكر وجوب النظر في معرفة الدين الحقِّ وبيان أدلته ومؤيداته ؟!
ثمّ إن ما ذكره من تسليم صحة حديث : قتل الفئة الباغية لعمار .
يستلزم أن يقول : إن معاوية وأصحابه دعاة النار ؛ لاشتمال الحديث على ذلك ، وهو مستفيض الرواية((٢)) . حتى رواه البخاري في باب الجهاد ((٣)) بلفظ : «ويح عمّار ! تقتله الفئة الباغية ، عمّار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» ((٤))
ورواه أيضاً في «كتاب الصلاة » ((٥)) بلفظ : «ويح عمّار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»((٦)).
الملعونة في القرآن) سورة الإسراء ١١٧ : ٦٠ ، وأنظر كنز العمال ٨٧/١٤ ح ٣٨٠١٤.
١- انظر : المعيار والموازنة : ٢٩٩ ، مستدرك الحاكم ٣٨٣/٢ ح ٣٣٤٣
٢- بل يربو على حد التواتر ، وقد عده الزبيدي من الأحاديث المتواترة في لقط اللآلي المتناثرة ومن طريق أربعة وعشرون صحابياً، وكذا السيوطي في الأزهار المتناثرة ، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ١١٤٠/٣ : وتواترت الآثار عن النبي صلی الله علیه و اله وسلم أنه قال : «تقتل عمار الفئة الباغية ، وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته صلی الله علیه و اله وسلم، وهو من أصح الأخبار .
٣- في مسح الغبار عن الناس في السبيل . منه قدس سرة.
٤- صحيح البخاري ٧٧/٤ ح٢٧.
٥- في التعاون في بناء المسجد . منه قدس سرة.
٦- صحيح البخاري ١٩٤/١ ح ١٠٧ .
وكفى القوم ذمّاً أن يوالوا دعاة النار الباغين على إمام زمانهم، الكافرين حين بغيهم، فقد رووا:
إن من مات وليس في عنقه بيعةً ، فقد مات ميتة جاهلية» ((١)) ، إلى نحوه من الأخبار ((٢)) .
وبالضرورة أن من لو مات مات ميتة جاهليةً ، كافر .
١- صحيح مسلم ٢٢/٦ كتاب الإمارة ، باب الأمر بلزوم الجماعة ، المعجم الك- للطبراني - ١٩ / ٣٣٤ - ٣٣٥ ح ٧٦٩ ، السنن الكبرى -للبيهقي - ١٥٦/٨ ، مصابيح السنّة - للبغوي - ٩/٣ ح ٢٧٦٥ ، مجمع الزوائد ٢١٨/٥
٢- مسند أحمد ٩٦/٤ ، المعجم الكبير ١٩ / ٣٨٨ ح ٩١٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ٤٥٥٤ ، حلية الأولياء ٢٢٤/٣ ، مجمع الزوائد ٢١٨/٥ ، ابن حبان ٤٩/٧ اح اتحاف السادة ٣٣٤/٦ ، كنز العمال ١٠٣/١ ح ٤٦٤ .
نسب معاوية واستلحاقه لزياد
قال المصنف - طيب الله رمسه _((١)):
ومنها : ما رواه أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب في كتاب «المثالب» قال :
«كان معاوية [يعزى ] لأربعة ؛ لعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي ؛ ولمسافر بن عمرو ؛ ولأبي سفيان ، ولرجل آخر سمّاه» قال :
وكانت هند أُمّه من المغتلمات ((٢)) ، وكان أحبُّ الرجال إليها السودان ،وكانت إذا ولدت أسود قتلته((٣)).
وأما حمامة ((٤)) ، فهي بعض جدّات معاوية ، كان لها راية بذي المجاز ((٥)) يعني من ذوات الرايات في الزنا، وادّعى معاوية أخوّة زياد، وكان له مدع يقال له : أبو عبيد ؛ عبد بني علاج من ثقيف.
فأقدم معاوية على تكذيب ذلك الرجل، مع أن زياداً ولد على
١- نهج الحق : ٣٠٧ .
٢- المغتلمات : الغُلمة : هيجان شهوة النكاح . انظر : العين ٤ : ٤٢٢ ، لسان العرب١٢ : ٤٣٩ - علم .
٣- مثالب العرب : ٧٢ - ٧٣ ، وأنظر : الأغاني ٦٢/٩ ، ربيع الأبرار ٥٥١/٣ ، شرح ابن أبي الحديد ٣٣٦/١ ، تذكرة الخواص : ١٨٤
٤- حمامة : هي أم أبي سفيان جدة معاوية ، كانت بغياً في الجاهلية صاحبة راية .شرح نهج البلاغة ١٢٥/٢ .
٥- مثالب العرب ،٨٥ ، شرح ابن أبي الحديد ١٢٥/٢ ، وصول الأخيار إلى أصول الأخبار - للشيخ حسين عبد الصمد والد البهائي - : ٧٨.
فراشه ، وادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بوالدة زياد - وهي عند زوجها المذكور - وأن زياداً من أبي سفيان»((١))
فانظر إلى هذا الرجل ، بل إلى القوم الذين يعتقدون فيه الخلافة وأنّه حجّةُ الله في أرضه ، والواسطة بينهم وبين ربّهم ، وينقلون عنه أنه ولد زنا ، وأنّ أباه زنى بأخته ، هل يقاس بمن قال الله في حقه :«إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» ؟!((٢))
١- أنساب الأشراف ١٩٧/٥ - ٢٠٤ ، تاريخ اليعقوبي ١٢٧/٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٩٥ ، العقد الفريد ٤/٤، مروج الذهب ٦/٣ - ٨ ، تاریخ دمشق ١٦٢/١٩ ، ١٧٢ - ١٧٧ ، المنتظم ٣١/٤ - ٣٢ . تاريخ ابن الأثير ٣/ ٢٩٩ - ٣٠٢ .
٢- سورة الأحزاب ٣٣/٣٣ .
وقال الفضل ((١)) :
إن ما اتفقت عليه الأمةُ بلا نزاع : أن تشييع الفاحشة ونشرها قبيح شرعاً، ويستقبحه العقول السليمة، سيما ما كان من أمر الجاهلية ؛ فإن أنكحة الجاهليّة لا ندري كيف جرت ؟
والأنساب في الجاهلية لا اعتداد بها ؛ لأنّ أنكحتهم لم تكن معتبرة . وهذه أشياء قد نهى الله ورسوله عن نشرها ، والقذف بالزنا قبيح لأيّ شخص كان ، ولا ندري ما غرض هذا الرجل من نشر هذه الأمور .
وأمّا قذف هند ، فهي لا نزاع أنّها أسلمت يوم الفتح ، فقذفها يوجب الحدّ بلا شبهة ، وهو من الكبائر بلا نزاع، سيما وأن ما ذكره غير موافق لصحاح التواريخ .
وحقيقة خبر هند ، كما ذكره أرباب صحاح التواريخ، وذكر الميداني في مجمع الأمثال»، وغيره من علماء التواريخ : «أنّ هنداً قبل أن تُزَوّج بأبي سفيان كانت متزوجة برجل من صناديد قريش ، لا أدري الآن أنه كان مسافر بن عمرو أو غيره ((٢)) ، فذهب زوجها يوماً يصطاد - وكان يوماً شديد القيظ والحرّ - فخرجت هند من البيت ونامت في ساحة الدار.
فرجع زوج هند فرآها مضطجعة في ساحة الدار ، والرجل راقد
١- إبطال نهج الباطل المطبوع ضمن احقاق الحق : ٥٩٤ (حجري)
٢- كانت متزوجة من الفاكة بن المغيرة المخزومي ، أما مسافر بن أبي عمرو بن ، أُمية ابن عبد شمس فقد كان يعشقها انظر : الأغاني ٦٢/٩ – ٦٨
بقربها فأخذته الغيرة .
فقالت هند : ما شعرت بهذا الرجل ، وأنه متى دخل الدار ؟
فوقعت بينهما منازعة وشقاق ، ورفعا أمرهما إلى كاهن ، فحكم لهند وأنّها بريّةً ممّا يقذفها الزوج به ، وقال الكاهن : إن هذه المرأة ستلد ملكاً عظيماً ، يبلغ حكمه المشارق والمغارب .
فحلفت هند أن لا تلد هذا الملك من ذلك الزوج ، وسألت طلاقها وأخذت منه الطلاق .
ثم تزوجت بأبي سفيان ، فولدت له معاوية .
هذا ما ذكروه من أمر هند ((١)) .
وأما ما ذكر أن معاوية ادعى أخوّة زياد، فتفصيل هذه الرواية على ما ذكره المؤرّخون ، وذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة»، وذكره ابن الجوزي في تأريخه : «إن زياداً وُلِدَ على فراش عبيد الثقفي ، وكان أبو سفيان يدعي أنه ولد في الجاهليّة على عادتهم في إلحاق الأولاد ، فلما جاء الإسلام، ونهى عن الإلحاق، ترك أبو سفيان ذلك الدعوى .
وكان زياد رجلاً رشيداً شجاعاً نجيباً ، فبعثه عمر بن الخطاب أيام خلافته لبعض الأعمال إلى اليمن، فعمل فيها عملاً جيداً .
فلما رجع من اليمن كان يقصُّ قصته في عمله على عمر بن الخطاب، وتكلّم على قوانين العقل بالكلام الجيد.
١- لم يذكر الميداني أي شيء يتعلق بهذه القصة التي ذكرها الفضل ، وهو ما اعتدنا عليه من الفضل حيث أنّه كثيراً ما يُنسب أموراً إلى مصادر لم تشر إليها. ولكن هناك مصادر أخرى ذكرت ما أشار إليه الفضل باختلاف.أنظر : المنمق : ١٠٩ - ١١٠ ، الأغاني ٦٦/٩ ، تاريخ دمشق ١٦٨/٧٠ - ١٦٩.
فقال عمرو بن العاص : الله در أبيه ، لو كان هذا الغلام من قريش الساق العرب بعصاه .
فقال أبو سفيان : أنا أعلم من وضع ماءه عند أمه .
فقال أمير المؤمنين عليّ : اتَّقِ الله يا أبا سفيان ولا ترجع إلى الجاهلية.
فلم يذكر أبو سفيان شيئاً بعدما قال له أمير المؤمنين هذا الكلام .
ثمّ لمّا كان زمن علي بن أبي طالب ، بعث زياداً أميراً على آذربيجان . فكتب إليه معاوية يستلحق ويسترضيه ، فكتب أمير المؤمنين إلى زياد : أن لا تميل إلى استمالة معاوية ، وكتب فيه :
إنّ ذلك نزعةٌ من نزعات الشيطان ألقاها على أبي سفيان ، ولم يثبت به نسب .
فقال زياد : والله لقد شهد به .
ثمّ لما بلغ [أمر] الخلافة إلى معاوية ، بعث إلى الكوفة واستلحق زياداً ((١)) .
وهذا من قبائح الأمور الصادرة من معاوية ، ولا يعتذر له ؛ لأنّه كان من الملوك ، والملوك لا يخلون عن أمثال هذه الأمور.
وأما قوله : «إنّ أهل السنة يعدونه خليفة ، ويجعلونه حجة الله في أرضه .
فهذا أمرٌ باطل ؛ فأنّ أهل السنّه لا يعدّونه إلا ملكاً من ملوك الإسلام،
١- شرح نهج البلاغة ١٧٩/١٦ - ١٨١ وفيه اختلاف ملحوظ .
ولم يشر ابن الجوزي إلا اشارة خفيفة لهذا الموضوع .
انظر : المنتظم ٣١/٤ و ٣٢ ، الاستيعاب ٥٢٥/٢ .